يكتبون

لماذا هيئة الترفية ؟

وليد الظفيري*

يؤكد المختصون النفسيون في جُل دراساتهم النفسية سواء في الإرشاد الأسري، أو في دراسات الرضا الوظيفي ضرورة الترويح عن النفس والمداومة على أنشطة ترفيهية تجدد الحماسة والشغف الوظيفي أو تزيد الترابط الاجتماعي، إذْ أنها تشكل الموازنة بين العمل والترويح؛ فالترفيه عامل التوازن الأساسي في الحياة اليومية في ظل ضغوط الحياة، وقد قيل في المأثور” ساعةٌ وساعة” يعني للجد ساعة وللترويح ساعة، ورغم هذا كانت مناحي الترفيه والترويح المحلي في المملكة تكاد تكون معدومة، وكانت محصورة في اجتماعات عائلية روتينية سواء في الاستراحات أو ارتياد مطاعم محدودة أو بالدوري الرياضي، وأما الفعاليات تنحصر بين مهرجان الجنادرية وبضعة مهرجانات محلية محدودة الفعاليات ولا ترضي شغف الفرد السعودي المتجدد، والمطلع على كافة ثقافات العالم، وله تجارب في السفر لدول الجوار والدول الأوروبية، مما يزيد من شغف السعوديين للترفيه؛ وخاصة إذا علمنا أن إجمالي ما يصرفه السائح السعودي في الخارج على مناحي الترفيه 30 مليار دولار سنوياً خارج المملكة، صرف اختياري.

ولأنً مفهوم الترفيه هو أي نشاط إنساني بنّاء يقوم به الأفراد باختيارهم بهدف المتعة خارج أوقات العمل المهني والوظيفي، إما بالحركة أو الاستماع أو النظر الذي يورث الأنس في النفس وكل هذا يتم بدافع ذاتي، مما جعل السائح السعودي محل الدراسات من قبل شركات التسويق وشركات التخطيط السياحي في دول الجوار، حتى إن البرامج السياحية باتت نماذجها تفصل بطريقة تراعي برامج الدراسة والإجازة في المملكة، وتبني محتواها على ما يوائم رغبات الأسرة السعودية، فهي الرافد الأساسي في المهرجانات الإقليمية، في ظل ذلك بقي الترفيه في المملكة جامداً منذ عام 2007 حتى عام 2017م, إذ يبلغ صرف الأسرة السعودية على الترفيه في الدخل 2.9%، بينما تجد معدل صرف الأوروبيين على الترفيه والثقافة يبلغ 85%، لذلك كان الترفيه والثقافة أحد أهم الروافد التي تعول عليها رؤية المملكة 2030، في تنويع الاقتصاد منذ إنشاء هيئة الترفيه في مايو 2016، وإنشاء وزارة الثقافة في يونيو 2018م، ولكسر هذا الجمود؛ لقد وضعت القيادة في ميثاق برنامج جودة الحياة مستهدفاً لصرف الأسرة السعودية على الترفيه والثقافة 6%.

إن الالتفات لهذا الأمر يعكس إدراك القيادة ووعيها لأثر الأنشطة الترفيهية في حياة الأسرة والفرد وبالتالي ينعكس ذلك على الجو العام الإيجابي في المجتمع على المستويات الاقتصادية والنفسية والإبداعية والابتكارية والاجتماعية، إذ يزيد ميل الأفراد للتشاركية بشكل أكبر وقبول للاختلاف وارتفاع الذائقة الفنية وتحسين مستويات التفاعل مع فنون الداخل المندثرة أو فنون عالمية مستقطبة، كما أن الفعاليات الترفيهية التي بدأت خطواتها في المملكة منذ عام 2016 بدءًا من تأسيس الهيئة العامة للترفيه والهيئة العامة للثقافة، وقامت بإنشاء الهيئة الملكية لمحافظة العلا، وأصدرت تصريحاً بإنشاء دور السينما، وأعلنت برنامج تعزيز الشخصية السعودية، وبرنامج جودة حياة، وطورت المهرجانات التقليدية مثل مهرجان الفروسية ومهرجان الإبل، وأعلنت عن تفعيل مدينة الثقافة السعودية، في عام 2018 أطلقت مشروع القدية وتحويل هيئة الثقافة لوزارة ثقافة، وأطلقت برنامج تخيل عنواناً لموسم الرياض الذي شكل مفصلاً تاريخياً في ثقافة الترفيه لدى الأسرة الخليجية.

في عام 2019 أطلقت المملكة برنامج مواسم السعودية وتأسيس صندوق نمو ثقافي، وطورت معرض ألوان للتصوير ومعرض الكتاب في جدة والرياض، وأطلقت برنامج الابتعاث الثقافي، والسياحي والفندقي، واستقبلت مسابقات المصارعة العالمية وراليات دولية، وأقامت السوبر الإيطالي لأول مرة في المملكة، كما أقامت المسرح السعودي، ومهرجان البحر الأحمر للأفلام، ودعمت المتاحف المتخصصة وبيوت الثقافة، ومسابقات في الغوص ومهرجانات الصقور والعطور والقهوة والسفن الشراعية، والتي اجتذبت الأسر السعودية والأسر الخليجية على حد سواء، منوعة الفعاليات بحسب تنوع مشارب الناس ورغباتهم، النتائج أتت أكلها سريعاً منذ عام 2016 ظهر أثرها على الأفراد، فنجد رواد فعاليات الترفيه في عام 2017م بلغ 8 ملايين بينما تضاعف العدد في عام 2018 بلغ 20 مليون زائر، وموسم الرياض لهذا العام 2021 بلغ حضور الافتتاح 750 ألف زائر فقط في أول يوم، وكل موسم يستفيد المنظمون من سابقه بالإضافة لتوجه المملكة للاستفادة من التجارب الأوروبية والآسيوية في الترفيه.

وحيث تُفسر سرعة استجابة المجتمع لبرامج الترفيه أن الشريحة العمرية من 15-65 سنة تشكل ما يعادل 65.5% من إجمالي عدد السكان و30.3% دون عمر 15 سنة، وتعد هاتان الشريحتان الأكثر مشاركة في الفعاليات الترفيهية أو الثقافية والأسرع تفاعلاً مع الفعاليات سواءً بالمشاركة والابتكار أو بالزيارة والاستهلاك.

‏إن مشروع جودة الحياة أعمق مما ينظر له القارئ السريع، فهو ليس فقط برامج ترفيه رياضية وفنية بل هو تحسين للمزاج العام على المستويين الفردي والأسري، ونشر الطمأنينة وزيادة التواصل مع المحيط، وتنمية السلوك الابتكاري، الميثاق يسعى لرفع مستويات الرضا عن الذات والرقي الإنساني وإحلال مشاعر الفرح والسعادة والميل للإيجابية محل الكبت والغضب والجزع المتراكم جراء كل ما يحيط بالأفراد من ضخ إعلامي أو أحداث إقليمية، أو قراءات سلبية أو ضغوط مهنية الوصول بالمجتمع لحالة من الانسجام، فلو نظرنا رأينا تعديلاً جوهرياً على نموذج إجازات المدارس وتوزيعها على كافة المواسم طوال العام، فنجد تنوعاً جذرياً على مستوى خدمات الفندقة والضيافة، معايير الفنادق والشقق المفروشة، مستوى التنقل والمواصلات وتنوع المصادر، بإلإضافة إلى توظيف الرقمنة كأداة تسهيل للتفاعل والبحث والحجوزات حتى في ظل آثار الجائحة السابقة كوفيد 19، تتنوع الأنشطة الترفيهية بين حضور معارض ومهرجانات وبين المشاركة في المشاريع الاستثمارية الداعمة للأسر والتاجر الصغير، وبين حضور لحفلات ومسرحيات أو معارض للكتب المقروءة والمسموعة، ورغم كل التقدم المحقق أعلاه وهو غيض من فيض من واقع القطاع الترفيهي والسياحي والثقافي في المملكة نجد متذمرين يضخمون حدثاً فردياً هنا أو هناك ليسيئوا لبرنامج جودة الحياة في المملكة.

إن الحكمة الهندية تقول: “إن المؤثرات الخارجية لا تؤثر في الإنسان بل تحث ما بداخله على الظهور”، فبروز نقص هنا أو موقف هناك لا يمحي هذا النمو الاقتصادي والترويح النفسي العام ولا يستطيع ثلة مرجفون إلغاء العوائد الاقتصادية والإعلامية على المملكة جراء هذا الانفتاح الإنساني المدروس والمخطط له ضمن رؤية المملكة 2030 والتي أصبحت خارطة طريق تحاكيها الدول المتقدمة قبل الدول المجاورة.

*كاتب سعودي

زر الذهاب إلى الأعلى