عندما تحاول أن تقفز على الواقع والحقيقة ، وتلبس أمام المجتمع ( قناعاً مغرياً ) ذا ملامح ساحرة وجذّابة، وفاتنة لأعين المجتمع ، وقادرة على إشباع رغباتك، وتحقيق طموحاتك وأمانيك، رغم أنك تدرك بقرارة نفسك أنّه ( قناعٌ مفضوح ) وغير ساتر لحقيقة وجهك البشعه، والقاتلة لأحلامِك، قد يتوّلد بداخلك شعورٌ مزعج ومقلق لرغباتك وأحلامك، مصدره الوعي، وينبوعه الإدراك، يشكّل هذا الشعور ( جينات ضميرك الإنساني )، فيقوم بمراقبتك ورصدك، ليتجاوز من خلال هذا الرصد ( لغة التأنيب ) إلى ( لغةٌ قاسية وجامحة تجتمع فيها الحدّة و السخرية )، بل وتتطوّر لتصل لتهديدك بحجم الأعين الشاخصة لك، والمستعدة لنقدك، وتعريتك، يهددك بالمجتمع الذي سيقوده وعيّه وإدراكه لاسقاط قناعك، ورؤية ملامحك بكل جلاء ووضوح، رغم متانة أدواتك واحترافيتها !
فتتوقّف قسرياً، لتعود للحقيقة والواقع رغم قسوتها ومرارتها عليك ، لكنها تبقى ( الحقيقة ) التي يعلمها عنك خالقك عزوجل قبل خليقته .
ترمي ذلك القناع ، لتنتصر لذلك الشعور العظيم ، حتى لو خسرت شيئاً من رغباتك اللذيذه ، لتجدّ نفسك في هذه الحياة أمام مسرحٍ كبير وعظيم ، يتداول الممثلين على خشبته مختلف المشاهد والأدوار ، لتصبح أنت جزءاً من أدواره ومشاهده ، عندما تنزل من خشبته بعد نهاية مشهدك بهذا السيناريو السريع ، بينك وبين ضميرك الحيّ والواعي، لتختار لك بالصفّ الاخير من المسرح ( كرسيّاً ملائماً) قد قفز صاحبه لخشبة المسرح لحظة نزولك منها .
وذلك وسط آلاف مؤلفة من الجماهير والمشاهدين ، الذين أطبق على شفاههم صمتٌ مريب وعجيب بنهاية مشهدك ، الذي كانت تكسوه إشراقة سعيدة للحقيقة ، انبعث إشعاعها الذهبي لحظة الانتصار العظيم لـ (ضميرك) .
انطلق المشهد الآخر لذلك ( البطل ) الذي عانقت ملامح وجهه ( قناعك ) المرمي على إحدى زوايا المسرح ، حينما شاهد الجميع وبتركيز عالي :
(عملية التقهقهر التدريجية للواقع والحقيقة ) !
لقد كان قناعاً ساحراً وجذّاباً!، ألهب الكفوف تصفيقاً؛ وكأنما تلك الكفوف ( عاصفةٌ رعديّة من السماء)؛ كشفت هدوئي وصمتي، حيث أصبح الجميع يرمقونني بنظراتٍ حاقدة؛ ليس فيها من الاستفهامات الا سؤال واحد فقط وهو: ( لماذا.. تكابرت على الإعجاب
بروعة وإبداع المشهد واحترافية أدائه ؟؛ أهناك حِقدٌ دفين على ( الممثل ) ؟
قال لي احدهم: (الا يستحق القناعٍ الرائع والجذّاب الإعجابٍ …وتصفيقٍ حار ) ؟!؛ وبخجلٍ شديد قلت له:
يا .. للعار !!؛ هل كلُّ ذلك .. جهلٌ واستحمار ؟
الا تنظرون .. حقيقة واقع ( المكّار ) ؟!
قال :
ويحك ؟ لا تُعاند ؟
أنت كاره .. أو حقود !
لست كُفؤاً .. للحضور !
لست أهلاً .. للسرور !
توّقف لساني عن الحديث ذهولاً؛ وخرجت من المسرح وأعينهم تطاردني ، وبالكاد خرجت منهم ومن ضجيجهم وقهقهاتهم التي ازدادت كثيراً مع خروجي ، والارتباك يتملّكني ، والعرق يتقاطر من وجهي ، فاتجهت بخطى متسارعه نحو الباب الخارجي ، لأجدّ مفاجأة كانها تنتظرني بالخارج !
ثُمّة ( شيء ) يشبه الإنسان
يديه مُكبلّه ، وأرجله مقيده؛ وجدت بداخله حُزنٌ شديد ، فبادرته بالسؤال: من أنت؟ ومن فعل بك ذلك؟.
فأطرق رأسه للأسفل قائلاً :
دعك .. من هذا كله !
فأنا في إقامة جبريّة هنا؛ ولا أستطيع الحركة أبداً ، لقد فعلوا بي ذلك هؤلاء؛ الذين بالداخل ، كي لا أزعجهم !
ولا أفسد مشهدهم الخيالي ، الذي يجعل للظلام سروراً وقيمة ، وللزيف فرحاً كبيراً !
الا ترى.. يدّي هاتين!، وكأنّها مكبلّة بأصفادٍ من الفولاذ المُحكم ! كي .. لا أصفّق لمشهدك ! أو أُبدي لك اعجابي ! ذلك المشهد الذي أشعرني بقيمتي وحياتي !
سألته مرةً اخرى :
( من انت .. ياهذا ) ؟
فقال :
( أنا الأب الشرعي للإنسان ) !
التعليقات (٠) اضف تعليق