عبدالله بن غانم القحطاني
كم من الحفلات التي تُقام ويُدعى لها الكثير من الناس وليس لها هدف نبيل، أهم حضورها المصورين، والشعراء المختصين بشعر الرد والمحاورة وبعضهم بارع في نبش الماضي والقدح في أنساب الناس والتهكم بماضي القبائل والعوائل والتذكير بالثأرات القبلية البائدة، فيتأثر بها البعض من العامة ويبني عليها محتوى عنصري مكتوب أو مصور، لتنقلها منصات الإعلام الرقمي الحديث لكل العالم بعد منتجتها بشكل دعائي يجعلها أكثر رواجاً واهتماماً وتفاعلاً.
وبشكل عام لنا أن نتساءل عن المتسبب الأهم لإثارة هذه العنصريات المقيتة الجارحة للمجتمع؟.
والجواب.. برأيي أنهم أولئك الذين يقيمون ويمولون الحفلات على أساس عنصري لأهداف شخصية كالسعي للشهرة والإستعراض.
القبيلة تحتفل بنفسها!. ماهذا العبث؟. القبيلة تحتفي بفلان!، ماهذا الغباء؟!، وما دخل القبيلة وأفرادها في تخرج أو زواج أي شخص، أو تعيين أي موظف مدني أو عسكري بالمؤسسات العامة للدولة، حتى نجد هذه “الشيلات” المزعجة والمسيئة التي تثير العنصرية والتفاخر القبلي، وهل سيتحملون مثلاً وزر نفس الموظف لو طُرد من عمله لأي سبب يخل بالشرف كممارسة الفساد مثلاً؟!. كلاّ..
بعض الشعراء وصُناع المحتويات الشعبية القبلية يهمهم رضى صاحب الحفل أو المناسبة مقابل العطاء، وهذا مفهوم، فالمسألة أصبحت مصالح، وأغلبهم لا يمتلك الوعي الجيد؛ ولا يعلم حدود ومخاطر المساس بالوحدة الوطنية؛ بل إن بعضهم لا يعلم مامعنى “الوحدة الوطنية” أصلاً؛ والدليل هو ما يبدر من بعضهم دون إدراك للعواقب.
الساحة الأدبية والموروث الشعبي تتطلب ترسيخ القيم الوطنية للمجتمع، هذا صحيح، والشعر الشعبي هو أحد المحركات قوية الأثر وسريعة الإنتشار خاصة بدول الخليج العربي، ولدى إنسان الجزيرة العربية؛ لكن ذلك يكون في ظل الدولة وأنظمتها ومصلحة مجتمعها؛ فيجب أن ينسجم هذا الشعر التفاعلي ومناسباته وما يؤثر به في الآخرين مع المصلحة الوطنية وأن يجسد الوحدة المجتمعية لكافة المناطق وسكانها؛ كما يجب أن يكون شعر المدائح القبلية في المعنى والأهداف مبني على قاعدة أن الجميع سواسية، وأن زمن التفاخر بحروب القبيلة ودماء الأبرياء قد ولّت بلا رجعة.
وتكون الجريمة أعظم حينما يكون الناشر لأي محتوى عنصري، شخص مُثقف، أو متعلم بمستوى جيد.
يجب وبصوت مرتفع، إفهام عامة الناس أن الحفلات والمناسبات واللقاءات والحوارات المرئية والمسموعة والمكتوبة والصور، التي تحفز وتثير النعرات والعنصريات الجهوية والقبلية والتاريخية، وتنتقص من شأن القبائل والعوائل والأماكن تعتبر جرائم بحق المجتمع والأمن الوطني؛ وهذا ينطبق أيضاً على الذين يقيمون ويمولون الحفلات والمساجلات الشعرية التي تستجر الماضي وتستدعي الخلافات البائدة والنزاعات القبلية القديمة، وغرس كل تلك العنصريات في عقول الشباب.
صحيح أن هؤلاء قلة وتصرفاتهم العنصرية لا تعتبر ظاهرة اجتماعية ولا تمثلنا، لكنهم وبصدق “فشلونا” وأساؤوا لمجتمعنا الجميل الواعي المترابط.
وهنا أجزم أن التشهير بمرتكبي هذه التصرفات سلاح رادع أرى أهمية تفعيله بلا تردد وإتاحة الإبلاغ عنه؛ والتعامل معه كجرائم معلوماتية تثير النعرات والعنصريات والرأي العام.
@Gen_Abdullah1
*لواء طيار ركن متقاعد
باحث في الشؤون الاستراتيجية