يقوم حسن زميرة بدوره الطبيعي كعنصر داخل المشروع الإيراني الكبير المختلف عليه، وذلك بإعادة توظيف المقاومة المتفق عليها في خدمة ذلك المشروع، ورغم الخلاف الجوهري مع نصر الله في هذه النقطة، فإن اتضاحها على النحو القائم منذ سنوات، يدعونا لتجاوزها، والكف عن سؤال: “لماذا يبدو دائمًا بوقًا للسياسات الإيرانية؟”، للسؤال عن سبب تناقض زميرة في خطاباته، حتى ما بين الخطابين المتواليين، وحتى في الخطاب الواحد، وعلى نحو تضيق هذه المساحة المتاحة عن إمكان عرضه ومناقشته، وإن كان يمكن ضرب بعض الأمثلة.
تحدث زميرة في الخطاب الذي ألقاه في “عيد المقاومة والتحرير” في العام ٢٠١٣؛ عن تدخل حزبه في البوسنة، قاصدًا بهذا الاستدلال نفي الصبغة الطائفية عن دوافعه وسياساته، إلا أنه وفي نفس الخطاب ولتبرير تدخله في سوريا، وضع معيارًا يحدد سياسات الحزب تجاه الأحداث في حال تنازعها طرفان أحدهما أمريكا، بحيث لا يمكن لحزب الله، وبحسب تعبير زميرة “أن يكون في جبهة فيها أميركا أو فيها اسرائيل أو فيها نابشو قبور وشاقّو صدور وقاطعو رؤوس… حزب الله لا يستطيع إلا أن يكون في الطرف الآخر، في الجبهة الأخرى، وفي الموقع الآخر.”
في هذا المثل يتناقض زميرة في نفس الخطاب، كما يناقض في سياساته الفعلية بعض مفردات هذا الخطاب، فلم يكن التدخل الأمريكي في البوسنة، ووجود “تكفيريين” يقاتلون ضد الصرب مانعًا من ملاحظة مظلومية الشعب البوسني إلى حد مناصرته بالسلاح، وبما يتعارض مع معيار زميرة الحدي والقاطع والذي ينفي فيه طبيعة الظاهرة السياسية من حيث تشابكها وتعقيدها، إلا أنه يعود ويفعّل هذا المعيار في الحالة السورية، بحجة اندراج الثورة السورية داخل محور أمريكي يتوسل بالتكفيريين، الذين تدرج خطاب زميرة تجاههم ابتداء من تنبيههم إلى أن أمريكا تريد ضرب أعدائها ببعضهم، أي ضرب المحور الإيراني بالقاعدة، مرورًا باتخاذهم ذريعة للتدخل في سورية نظرًا لطبيعتهم التكفيرية التي تهدد لبنان بكل مكوناته، وصولاً إلى اتهامهم بالعمالة و”اللحدية”!
هذا المعيار، أي الوقوف المبدئي والدائم في الطرف الآخر المقابل لأمريكا، لم يعمل مع زميرة في الحالة العراقية، حينما عاد حلفاؤه وأتباع إيران على الدبابة الأمريكية، ولم يعمل في الحالة الليبية التي صار لها معيار خاص وهو اختفاء موسى الصدر، وبقي الاحتفاء به قائمًا إلى حين مشاركته في الحرب على الحوثيين، ليتضح لنا أن المقاومة لم تكن في غزة ولكنها في اليمن!
وقع زميرة، حينما نفى أن يكون الاتفاق قد وُقّع مع “الشيطان الأكبر”، في مقاربة ركيكة، كرست ما أراد نفيه، أي أنه تصرف وكأن الاتفاق مع أمريكا تهمة بالفعل، وهي ليست كذلك بالضرورة إلا حسب دلالاتها ومضامينها. ربما يأتي هذا الارتباك نتيجة التناقض ين الصورة المقدمة عن إيران والشعارات المتعلقة بها وبين الممارسات على الأرض المحكومة إلى ضرورات الواقع ومتطلبات المصلحة، في وقت يقدم فيه الإعلام الإيراني، بما في ذلك إعلام حزب الله، الحرب على الحوثيين بأنها حرب أمريكا وإسرائيل على اليمن، ومن هنا يبدو زميرة مرتبكًا ما بين حرب أمريكا الافتراضية على اليمن وبين اتفاق أمريكا مع إيران!
“جزء من مقال ساري عرابي”