فجر الخميس (قبل) الماضي، أطلق جنود أميركيون اول قذيفة مدفعية ضد تنظيم داعش في الموصل، وبذلك شاركت القوات البرية الأميركية رسميا الى جانب قوات الجيش العراقي والبيشمركة في عملية تحرير نينوى.
وأعلن قائد اركان الجيوش الأميركية الجنرال جو دانفورد خلال مؤتمر صحافي مع وزير الدفاع اشتون كارتر، أن 200 جندي من قوات من مشاة البحرية الاميركية (المارينز) استخدموا المدفعية لمساعدة القوات العراقية في عملية تحرير الموصل.
كما اوضح بيان رسمي صدر عن وزارة الدفاع الأميركية ان الوحدة 26 من قوات المارينز ستشارك في العليات العسكرية البرية ضد داعش وبموافقة الحكومة العراقية، بعد مقتل وإصابة عدد من الجنود الأميركيين بقصف صاروخي نفذه داعش على قاعدة عسكرية عند أطراف الموصل.
وفاجأ القرار الأميركي الجديد العراقيين. وكالعادة انقسم السياسيون والمواطنون فيما بينهم، فرحبت الكتل السنية والكردية بالأمر ورفضت الأحزاب الشيعية، ولكن الفصائل الشيعية اعترضت بشدة وهددت بقتال القوات الأميركية.
وتعتبر الفصائل الشيعية التي تسمى ايضا بالحشد الشعبي الولايات المتحدة عدوها اللدود. وللطرفين “تاريخ” من القتال ضد بعضهما عندما كان آلاف الجنود الاميركيين يحتلون العراق قبل سنوات ويتعرضون للقتل على يد مقاتلي الفصائل الشيعية.
وترفض الفصائل الشيعية اليوم مشاركة القوات الأميركية في الحرب ضد داعش.
وبعد ساعات من إعلان وزارة الدفاع الأميركية ان قوات المارينز ستشارك في العمليات البرية ضد داعش، اعلنت قوى الفصائل الشيعية هذا الرفض.
والفصائل هي كتائب حزب الله بزعامة ابو مهدي المهندس وهو المسؤول العسكري الاول لقوات الحشد الشعبي وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي وحركة النجباء بزعامة اكرم الكعبي. وهذه الفصائل شديدة القرابة من ايران.
وقالت كتائب حزب الله ان “قوات المارينز جاءت لحماية داعش.. وسنقوم بقتال القوات الاميركية كما قاتلناهم قبل سنوات”، اما عصائب اهل الحق فقد اعلنت ايضا بأن مقاتليها سيتعاملون مع القوات الأميركية على انها قوات محتلة. واعتبرت ان واشنطن تستخدم داعش ذريعة لإعادة وجودها داخل العراق، ودعت باقي الفصائل الشيعية الى الاستعداد لمحاربة القوات الاميركية.
وأعلنت حركة النجباء أن “جنودنا مستعدون لمواجهة الاحتلال الجديد، وصواريخنا وعبواتنا لن تترك قواعدهم بأمان.. وسنعيد لهم الذكريات عندما هزمناهم قبل سنوات”.
وجهات نظر متباينة
في المقابل هناك الكثير من الاحزاب والمواطنين الذين لديهم آراء مختلفة بشأن مشاركة القوات البرية الأميركية في الحرب ضد داعش.
وأعلن تحالف القوى العراقية الذي يضم جميع الاحزاب السنية في العراق ترحيبه بمشاركة المارينز في المعارك.
والموقف الذي تبديه الأحزاب السنية في العراق من مشاركة قوات أميركية في الحرب على الإرهاب ليس غريبا. ومنذ هجوم داعش على العراق في حزيران/يونيو عام 2014، طلبت هذه الأحزاب من الولايات المتحدة المشاركة بقواتها البرية في المعارك، وكذلك الاكراد، ولكن الحكومة العراقية والأحزاب الشيعية رفضت ذلك بشكل قاطع.
وناقشت مواقع التواصل الاجتماعي في العراق هذه القضية ايضا. وانشغل العراقيون خلال الاسبوع الماضي في ابداء آرائهم بشأن مشاركة المارينز مع الجيش العراقي لمحاربة داعش.
وانقسمت مواقف العراقيين أيضا. وهناك من رحب بالمشاركة الاميركية واعتبرها ضرورية لهزيمة داعش، بينما رفض اخرون ذلك واعتبروها احتلالا، وهناك من اعتبر ان التدخل البري جاء متأخرا، وقال انه كان على الولايات المتحدة ان تشارك بقواتها البرية منذ احتلال داعش للمدن العراقية.
عسكريا، يقول العقيد في الجيش العراقي قيس الساعدي ان “القوات الاميركية قررت اخيرا المشاركة في معركة حقيقية ضد داعش.. كانت في السابق تكتفي بالغارات الجوية ولكنها اكتشفت عدم تأثر داعش بذلك ويجب ان تكون هناك قوات برية”.
ويقول الساعدي ايضا ان “القوات الاميركية مهّدت الطريق لقواتها البرية بعد قيامها بقتل اهم قائدين عسكريين في داعش وهما عبدالرحمن القادولي وابو عمر الشيشاني خلال اقل من شهر واحد، بينما لم تنجح في تحقيق ذلك منذ 19 عندما بدأت مشاركتها في الحرب ضد داعش”.
الشيعة بمواجهة الأميركيين
ينتشر مقاتلو الحشد الشعبي على الجبهة ضد داعش في محافظات صلاح الدين وديالى وبغداد وأجزاء محدودة من الأنبار، اما القوات الاميركية البرية فتنتشر في محافظتي الانبار واربيل، فهل ستشهد الايام المقبلة مواجهة ضد القوات الاميركية؟
وتتواجد قوات المارينز في قاعدة مخمور العسكرية جنوب اربيل القريبة من حدود محافظة نينوى الشرقية، بينما تتواجد الفصائل الشيعية في مدينة بيجي شمال محافظة صلاح الدين القريبة ايضا من حدود محافظة نينوى الجنوبية، والمسافة بينهما تقريبا (130 كيلومترا).
واعلنت الفصائل الشيعية في شهر تشرين الثاني/اكتوبر من العام 2015 تحرير قضاء بيجي وقررت التقدم نحو مدينة الموصل، ولكن بعد مرور خمسة اشهر لم يتحقق ذلك فما السبب؟
وقال ابو زينب الطليباوي احد قادة الحشد الشعبي وهو من سكان البصرة ويقاتل في بيجي، ان “اسبابا سياسية وليست عسكرية تمنع الحشد الشعبي من البدء بتحرير الموصل التي لا تبعد سوى مسافة قريبة من قواتنا”.
واضاف ان “الحشد الشعبي جهز قوات كبيرة منذ شهور لتحرير مدينة الشرقاط جنوب المدينة التي تسيطر عليها داعش، ولكن هناك سياسيون عراقيون والقوات الاميركية يرفضون مشاركة الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل”.
ويقول الطليباوي أيضا ان “الشرقاط هي المدينة الوحيدة التي تفصل بين قوات الحشد الشعبي وبين القاعدة العسكرية للقوات الاميركية في مدينة مخمور، والغارات الجوية الاميركية لا تقوم بقصف عناصر داعش هناك لأنهم يريدون ان تبقى بيد داعش لمنع الحشد الشعبي من الوصول الى الموصل”.
وفي شباط/فبراير، صوت مجلس محافظة نينوى على منع الفصائل الشيعية من المشاركة في معركة تحرير نينوى. وقال المجلس ان سكان الموصل لديهم حساسية من الفصائل الشيعية، ويجب ان تشارك قوات محلية من سكان نينوى في المعارك.
ويحدث نفس السيناريو في الأنبار غرب العراق. وهناك يتواجد المئات من الجنود والمستشارين الأميركيين في قاعدة عسكرية تسمى عين الأسد في مدينة البغدادي، بينما تنتشر الفصائل الشيعية في أطراف مدينة الفلوجة منذ شهور في محاولة لتحرير الفلوجة، والمسافة بين الموقعين (150 كيلومترا).
ويقول حسن سالم النائب في البرلمان عن كتلة الصادقون التابعة إلى عصائب أهل الحق، إن “الولايات المتحدة لا تسمح لنا بتحرير الفلوجة.. واذا كانت واشنطن جادة في محاربة داعش عليها الذهاب وتحرير الفلوجة القريبة من بغداد، وليس الموصل”.
وما زالت الفصائل الشيعية تتهم الولايات المتحدة بتقديم الدعم الى تنظيم داعش وقصف قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي عبر الطائرات، على الرغم من ان رئيس الوزراء حيدر العبادي ووزارة الدفاع العراقية نفت حصول ذلك، ولكن هذه التهمة يصدقها الكثير من العراقيين.
وطبقا لما سبق، تعرف الولايات المتحدة جيدا أنها غير مرحب بها من قبل الفصائل الشيعية، ولهذا اختارت قواعدها العسكرية بعيدا عن تواجد هذه الفصائل، كما ان الجبهات التي تشارك فيها ضد داعش في الموصل والانبار هي ايضا بعيدة.
ولكن في المستقبل فإن المواجهة تبقى محتملة، لأن الفصائل الشيعية تصر على المشاركة في عملية تحرير الموصل، وخصوصا تحرير قضاء تلعفر غرب المدينة الذي ينتمي سكانه الى الطائفة الشيعية.
وأسست الفصائل الشيعية قبل شهور تشكيل لواء تابع الى فرقة العباس القتالية الخاص بتحرير مدينة تلعفر، ويضم سكانا نازحين من المدينة.
لماذا يعارض الحشد الحكومة؟
تؤكد الحكومة العراقية بان الفصائل الشيعية في الحشد الشعبي هيئة حكومية رسمية تابعة الى الحكومة بموجب قرار اتخذه مجلس الوزراء في نيسان/ابريل 2015، ولكن هذه الفصائل تعارض الحكومة في الكثير من القضايا ومنها المشاركة الاميركية البرية والجوية في المعارك ضد داعش.
وأكد المسؤولون الأميركيون أن ارسال قوات المارينز جاء بعد موافقة الحكومة العراقية، واذا كانت هيئة الحشد الشعبي تابعة الى الحكومة اذن لماذا تعترض على ذلك، وقادة الحشد الشعبي ينتقدون دائما رئيس الوزراء حيدر العبادي.
ويقول محللون ان الحشد الشعبي يعمل بشكل مستقل ولا يلتزم بقرارات الحكومة، وفشلت محاولات عدة للعبادي للسيطرة عليه ولكن دون جدوى.
وفي شباط/فبراير، اصدر العبادي امرا بتعيين الفريق الركن محسن الكعبي وهو قائد سابق للشرطة الاتحادية بديلا عن ابو مهدي المهندس في محاولة من الحكومة للسيطرة على إدارة الحشد، ولكن الفصائل الشيعية رفضت القرار بشدة.
وهددت كتائب حزب الله التي يتزعمها ابو مهدي المهندس الحكومة، وقالت في بيان رسمي ان “فصائل المقاومة الإسلامية والحشد هي فصائل عقائدية جهادية لها سياقات إدارية وتنظيمية تختلف عن السياقات الكلاسيكية المتبعة في المؤسسة العسكرية، وقيادتها تقتضي الخبرة في الحروب غير التقليدية التي تتميز بسرعة الحركة والمناورة والتغيير الفوري للخطط العسكرية”.
وتعتبر هذه المشكلة من ابرز التحديات التي تواجه العراق حاليا، وتعرقل الحرب ضد داعش، لأن الفصائل الشيعية لا تريد مشاركة الولايات المتحدة في الحرب، بينما لا تستطيع القوات العراقية لوحدها قتال داعش.
الرافضة اكذب واجبن من قتال أسيادهم اليهود والنصارى وخاصة الأمريكان؛ فقط شجعان على السنة لأنهم بدون سلاح.