
ثمن مدير الجامعة الإسلامية أ.د. عبد الرحمن بن عبد الله السند الدور القيادي الذي قام به خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – لإتمام المصالحة بين مصر وقطر.
وقال السند إن الناظر لأحوال الأمة العربية والإسلامية اليوم يجد الفرقة واضحة جلية، في وقت هم فيه أحوج الناس إلى الألفة والاجتماع، وذلك نظراً لتكالب أعداء الأمة في هذه الأيام على الإسلام والمسلمين، فمن أكبر المصائب التي ابتليت بها هذه الأمة وفتكت في سواعد قواها، وأطاحت برايات مجدها، الاختلاف والتفرق والتشرذم. فالتنازع مفسد ومهلك للشعوب والأمم، سافك للدماء، مبدد للثروات، قال تعالى:{ وَلاَ تَنَـازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّـابِرِينَ }[الأنفال:46]. بالخصومات والمشاحنات تنتهك حرمات الدين، ويعم الشر القريب والبعيد، ومن أجل ذلك سمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فساد ذات البين بالحالقة، فهي لا تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين.
وتابع : واليوم نجد أن رياح المخاطر عصفت بالمنطقة، وأوقدت نار الفتنة بين الأشقاء ، وبلغت القلوب الحناجر خشية ما تؤول إليه هذه الخلافات بين دولتين عربيتين مسلمتين شقيقتين (مصر وقطر). فما كان من خادم الحرمين الشريفين الملك العادل عبدالله بن عبدالعزيز-حفظه الله- سوى السعي في إزالة أسباب الخلاف والاحتقان بين الأشقاء ومن ثم المصالحة والوفاق من خلال جهود ضخمة عظيمة بقدر عظمة مكانة وثقل قائدها -أيده الله-، في واحدة من الصفحات المشرقة له- حفظه الله- في رأب الصدع العربي، وتُعد نبراسا ليس فقط لدول مجلس التعاون والعالم العربي، بل للأمة الإسلامية جمعاء، لفتح آفاق جديدة، ورأب الصدع ومواجهة التحديات.
وأضاف: جاءت هذه المصالحة التاريخية التي كاد أن يفقد الأمل فيها الكثيرون، لما رأوه من تأزم المواقف، واشتداد حدة الخلاف بين الأشقاء في قطر ومصر. ومن ثم صدر –في هذا- بيان عن الديوان الملكي حاملاً الخير للأمة، وقاطعاً لكل سبل المفسدين المتربصين بها، جاء فيه: “…. وحرصاً من خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله – على اجتماع الكلمة، وإزالة ما يشوب العلاقات بين الشقيقتين جمهورية مصر العربية ودولة قطر في مختلف المجالات، وعلى جميع المستويات، وبخاصة ما تبثه وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، المرتبطة بالدولتين الشقيقتين. وتأكيداً على ما ورد في اتفاقي الرياض – المبرمين في 19/1/1435هـ الموافق 23/11/2013م، وفي 23/1/1436هـ الموافق 16/11/2014م – المتضمن التزام جميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بسياسة المجلس؛ لدعم جمهورية مصر العربية، والإسهام في أمنها واستقرارها. وتقديراً من قبل الأشقاء في كلتا الدولتين لمبادرة خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، التي دعا فيها أشقاءه في كلتا الدولتين لتوطيد العلاقات بينهما، وتوحيد الكلمة وإزالة ما يدعو إلى إثارة النزاع والشقاق بينهما – إن شاء الله – وتلبية لدعوته الكريمة – أيده الله – للإصلاح، إذ الإصلاح منبعه النفوس السامية والكبيرة، فقد استجابت كلتا الدولتين لها، وذلك للقناعة التامة بما انطوت عليه من مضامين سامية تصب في مصلحة الشقيقتين جمهورية مصر العربية ودولة قطر وشعبيهما الشقيقين. وقد أبدت المملكة العربية السعودية مباركتها للخطوات الجارية التي من شأنها توطيد العلاقات بين جمهورية مصر العربية ودولة قطر ومن ضمنها الزيارة التي قام بها المبعوث الخاص لسمو أمير دولة قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني إلى مصر. كما تؤكد المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود يحفظه الله دعمها وحرصها على فتح صفحة جديدة بين البلدين ليكون كل منهما بعد الله عوناً للآخر في سبيل التكامل والتعاون لتحقيق المصالح العليا لأمتينا العربية والإسلامية، آملاً يحفظه الله – من جميع الشرفاء من الأشقاء من علماء ومفكرين وكتاب ورجال إعلام بكافة أشكاله إلى الاستجابة لهذه الخطوة ومباركتها؛ فهم العون بعد الله لسد أي ثغرة يحاول أعداء الأمة العربية والإسلامية استغلالها لتحقيق مآربهم “.
وأشار إلى أن هذا البيان احتوى على مضامين شاملة، وموقف تأريخي، وكلمات نابعة من القلب لها دلالاتها الأكيدة على الشعور بشعور الجسد الواحد، والسعي للهدف الأسمى، والتوحد ضد المخاطر التي تهدد جسم الأمة العربية الإسلامية، والحرص على مصر العروبة والإسلام، وقطر الجوار والإخاء، لتعود المياه إلى مجاريها، وتنتظما في وحدة الصف العربي. ولا يفوت التأكيد على ما تضمنه بيان الديوان الملكي من نداء خادم الحرمين الشريفين الموجه لجميع الشرفاء من الأشقاء من علماء ومفكرين وكتّاب ورجال إعلام بكافة أشكاله إلى الاستجابة لهذه الخطوة ومباركتها؛ فهم العون – بعد الله – لسد أي ثغرة يحاول أعداء الأمة العربية والإسلامية استغلالها لتحقيق مآربهم.
ولا ريب أن من أهم عوامل قومة أمة من الأمم، الاتحاد، بالاتحاد تنال الأمم مجدها، وتصل إلى مبتغاها، وتعيش حياة آمنة مطمئنة، بالاتحاد، تكون الأمة مرهوبة الجانب، مهيبة الحمى، عزيزة السلطان. فتنمية الوعي بأهمية وحدة المسـلمين كما يأمرهم الإسلام هي النقطة الأساس الأولى في سبيل التغلب على الواقع المؤلم الذي أوجده هذا التفرق. قال تعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[آل عمران: 105]، فإن بني إسرائيل لما جاءتهم رسلهم بالبينات والعلم تفرقوا واختلفوا، فنهانا الله تعالى عن سلوك سبيلهم. قال تعالى عنهم: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[المؤمنون: 53].
وقال:
إن الاختلاف يضعف الأمم، ويشتت الشعوب، ويحرم أصحابه من كثير من الخير، {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[الأنفال: 46]. ومن أعظم ما أمرنا الله تعالى أن نتمسك به وندعو إليه، ونجعله أهم الأسس التي نربي عليها أنفسنا وأبناءنا، وأهلينا: الحفاظ على الوحدة والتوحد وجمع الكلمة والائتلاف على الحق، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[آل عمران: 103]. وقال عليه الصلاة والسلام: « المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله » متفق عليه، وقال -صلى الله عليه وسلم-: « المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً » متفق عليه، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى لأصحابه عن المجتمع المثالي للمؤمنين وعن كمال الشعور الإيماني الأخوي، وكمال الإحساس بالإخوة الإسلامية فقال: « مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى » رواه مسلم، فما أعظم هذا المثل العظيم!.
وأضاف: وإن إصلاح ذات البين هو التأليف بين المتنافرين والتوفيق بين المختلفين، به تُسَل السخيمة في القلوب، وبه تزال الخطوب والكروب، وبه تحيا النفوس بعد العطَب، وتصان الحُرمات ونِعم المطلب، وبه تحفظ الحقوق والثروات، وبه يجمع الشمل بعد الشَّتات، وبه تؤصل المؤدة، وتُستدام الصلة بعد القطيعة، ويَسهُل سبيل التعاون على التقوى والبر، ويتحقق التواصي بالحق والصبر، والدعوة إلى الخير، فما أعظم شأنه! وما أعلى مكانه! وما أحسن عاقبته! وما أكرم عائدته! والإصلاح بين المتنازعين والتقريب بين المتخاصمين من الإخوة في الدين، يعد بابًا من أبواب الخير يحبه الله ورسوله ويدعو إليه ويحث على ذلك بأبلغ عبارة وألطف إشارة مع جميل الموعود عليهما، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}[الحجرات:10]، وعن أمِّ كُلْثُوم بنت عُقْبَة بن أَبي مُعَيط -رضي الله عنها-، قَالَتْ: سمِعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: « لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيرًا، أَوْ يقُولُ خَيْرًا » مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وفي رواية لمسلم قَالَتْ: « وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ في شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُهُ النَّاسُ إلاَّ في ثَلاثٍ، تَعْنِي: الحَرْبَ، وَالإِصْلاَحَ بَيْنَ النَّاسِ، وَحَدِيثَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَحَدِيثَ المَرْأةِ زَوْجَهَا »، والمعلوم أن الأصل في الكذب أنه محرم ولكن في الإصلاح يكون جائزًا لأن في الإصلاح منافع للجميع. والإصلاح بين الناس درب من دروب المعروف، وهو الإصلاح بين المتباينين أو المتخاصمين بما أباح الله؛ فالإصلاح بينهما ليتراجعا إلى ما فيه من الألفة واجتماع الكلمة على ما أمر الله به {وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:114].
وقال: ومن هنا فإن الموقف التاريخي المشرف الذي قام به خادم الحرمين الشريفين -أيده الله- دل على الحكمة والحنكة السياسية والصدق في التعامل والنوايا الحسنة التي يتمتع بها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ال سعود- رعاه الله- جعلته الشخصية المتميزة وذات الثقل العالمي لمواقفه المشرِّفة المستمدة من عقيدته الإسلامية وشهامته العربية. لقد شهد الجميع لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز- أيده الله- بالحكمة والعدل ومحبته للدعوة للسلام والحوار الدائم، ولقد قاد هذه البلاد المباركة مع عضديه سمو ولي عهده الأمين، وسمو ولي ولي العهد- حفظهم الله- بحكمة وصبر وأناة وعقل وبصيرة، فكانوا جميعًا رجالاً أكفاء مخلصين لله ثم لوطنهم ولشعبهم ولشعوب دول الجوار وحريصين على اللحمة والتآزر والمحبة والمصالح المشتركة النابعة من وحدة الدين والعقيدة، ووحدة الشعوب ووحدة الأرض.
وفي الختام قال الدكتور السند : أسأل الله العظيم أن يحفظ علينا ديننا وأمننا، وأن يجمع كلمة المسلمين، ويوحد صفهم ويجنبهم الأهواء والفتن، وأن يحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين وأن يديم عليه نعمه، ويسبغ عليه فضله، ويلبسه لباس الصحة والعافية، وينصر به الإسلام والسنة، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.