أبرز المواد

التنظيمات الإدارية للدولة في عهد الملك عبدالعزيز تضع الأسس لبناء الوطن

المناطق_متابعات

التنظيمات الإدارية من الأمور المهمة التي أولاها الملك عبدالعزيز بن عبد الرحمن آل سعود – رحمه الله – اهتمامًا كبيرًا وحظيت فيما بعد بتحليلات الدارسين والمؤرخين للنجاح الذي حققته تلك التنظيمات في بناء الوطن .
ومن تلك الدراسات والتحليلات التي تناولت هذا الجانب كتاب ” تنظيمات الدولة في عهد الملك عبدالعزيز 1343- 1373هـ الموافق 1924-1953م دراسة تاريخية” لمؤلفه الباحث الدكتور إبراهيم بن عويض الثعلي العتيبي، الذي صدر عام 1414 هـ في 691 صفحة من القطع المتوسط.
وفي الملخص التالي تستعرض وكالة الأنباء السعودية “واس” جوانب مما احتواه الكتاب في هذا الشأن، حيث يقدم صورة شاملة ومكتملة عن تنظيمات الدولة في عهد الملك عبدالعزيز خلال الفترة المشار إليها أعلاه ، وينقسم الكتاب إلى خمسة فصول يتناول الفصل الأول قيام الدولة السعودية الثالثة والأوضاع السياسية التي أسهمت في قيامها.
ويتناول الفصل الثاني التنظيم الإداري في عهد الملك عبدالعزيز وهو ماسيتم التركيز عليه في استعراض الكتاب، أما الفصل الثالث فتناول التنظيم القضائي في عهد الملك عبدالعزيز ، فيما قدم الفصل الرابع عرضًا للتنظيم المالي وتطوره خلال تلك الفترة, أما الفصل الخامس والأخير فأرّخ لتنظيم الدوائر العسكرية ونشأتها في عهد الملك عبدالعزيز .
وفي المقدمة أشار المؤلف إلى أن هذه الدراسة تؤرّخ تطور التنظيمات الإدارية في عهد الملك عبدالعزيز للفترة مابين عام 1319حتى 1373هـ، وهي الفترة التي شهدت قيام الدولة السعودية الثالثة سياسيًا ووضع قواعد التنظيم الإداري فيها خلال فترة حكم الملك عبدالعزيز وهي من هذا الجانب دراسة تاريخية بحتة.
وتطرق المؤلف في الفصل الأول إلى مقدمة تاريخية مختصرة تناول فيها مجمل الأسباب التي أدت إلى انهيار الدولتين السعوديتين الأولى والثانية وتطرق إلى الأوضاع السياسية التي أسهمت في قيام الدولة السعودية الثالثة وعلاقة مؤسسها الملك عبدالعزيز مع القوى الخارجية والداخلية . وكيف استثمر هذه العلاقات مما مكنة من تأسيس المملكة العربية السعودية.
وتناول الفصل الثاني التنظيم الإداري فبعد توحيد المملكة عام 1351هـ توجهت جهود الملك عبدالعزيز للعمل التنظيمي الذي أسس قواعده وأحكم تنظيمه وسار عليه خلفه من بعده .
ويقول المؤلف إن هناك رافدين أثرا على إدارة الملك عبدالعزيز هي :
1) روافد داخلية: في بداية عهده تأثرت ببعض التنظيم الإداري في الدولة الإسلامية عبر العصور ومن هذا التنظيم تركيز السلطة في يد الحاكم مع منح أمراء الأقاليم بعض الصلاحيات التي تمكنهم من تطبيق الشريعة الإسلامية وحفظ الأمن ومساعدة عمال الزكاة، وعندما كانت الدولة في بداية تكوينها السياسي لُقب عبدالعزيز بـ “أمير نجد ورئيس عشائرها”، وعندما تمكن من استعادة الأحساء من العثمانيين عام 1331هـ/1912م، أطلقوا عليه لقب باشا وخاطبوه بـ “والي نجد وقائدها عبدالعزيز باشا” .
وبعد ضم عسير عام 1338هـ/1919م عقد في الرياض عام 1339/1920 مؤتمر عام تقرر فيه إطلاق لقب / سلطان نجد وملحقاتها / وعندما ضم الحجاز إلى نجد عام 1344هـ/ 1925م سمي // ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها // ثم تحول هذا اللقب إلى // ملك الحجاز ونجد وملحقاتها // إلى أن وحد المملكة عام 1351هـ/1932 باسم // المملكة العربية السعودية //.
وهذا التدرج في استخدام الألقاب الرسمية يصور إلى حد بعيد الظروف التي مرت بها الإدارة في عهد الملك عبدالعزيز خير تصوير اذ تدرجت من التجزئة الإقليمية إلى الوحدة المركزية المطلقة فكلما اتسعت الدولة رافق ذلك تغيير في لقب الحاكم .
2) روافد خارجية:
وهي تلك الأنظمة العربية والأوربية التي وضعها الملك عبدالعزيز أمام مجالس الدولة الاستشارية علاوة على وجود مستشارين من جنسيات متعددة في بلاطه ولكن أراء أولئك المستشارين والاقتباس من تلك النظم أخضعها الملك عبدالعزيز للتشريع الإسلامي ولمصلحة البلاد وحاجتها .
كما أن التنظيم الإداري في عهد الملك عبدالعزيز مر بمرحلتين متداخلتين:
هي المرحلة الأولى: ما قبل استكمال ضم الحجاز حيث كانت الجهود منصبة على تأسيس الكيان السياسي للدولة حيث خاض من أجله الملك عبدالعزيز نحو إحدى وأربعين معركة قادها بنفسه وخرج فيها أربعة عشر مرة فقد كان هدف الملك عبدالعزيز استكمال التكوين السياسي والمحافظة على الأمن .
المرحلة الثانية: بعد ضم الحجاز حيث ركزت الجهود على تثبيت دعائم الدولة فقد بدأ فيها بتغيير جذري في التكوين التنظيمي للإدارتين المركزية والمحلية وبدأ بالحجاز لأن الإدارة في الحجاز كانت ذات تنظيمات مركزية متقدمة نوعاً ما .
الإدارة في الحجاز في العهد السعودي انقسمت إلى مرحلتين المرحلة الأولى ، الإدارة المؤقتة والمجالس الأهلية، فعندما آل حكم الحجاز إلى السلطان عبدالعزيز أبقى الإدارة على بعض منها وطور البعض الأخر ولهذا خطط السلطان عبدالعزيز لإعادة تنظيم أوضاع الحجاز ساعة دخول مكة المكرمة وقد جاء في الخطاب الذي ألقاه في مكة ساعة دخولها // سنجعل الأمر في هذه البلاد المقدسة بعد هذا شورى .. وإن مصدر التشريع والأحكام لايكون إلا من كتاب الله وماجاء عن رسوله وما أقره علماء الإسلام // ثم بدأ الخطوات العملية وكان رائده في ذلك أمران 1) مشاركة أهل الحجاز في الإدارة 2 ) وضع هياكل إدارية تتمشى مع التغييرات والتبدلات السياسية ونظراً لأهمية إدراة الحجاز فقد عين ابنه فيصل نائباً عنه في الحجاز.
المرحلة الثانية: الإدارة في ظل التعليمات الأساسية للمملكة الحجازية وقسمت التعليمات شؤون الإدارة إلى ستة أنواع منها الأمور الشرعية: وهي القضاء والمحاكم وشؤون الحرمين والأوقاف والمساجد والمؤسسات الدينية ، والأمور الداخلية .. وهي الأمن العام والبرق والبريد والصحة العامة والبلديات والأشغال والتجارة والزراعة والصناعة والمعادن والمؤسسات الخاصة ، والأمور المالية : وهي إدارات الواردات والمنصرفات والجمارك والرقابة المالية ولها فروع في المدن والقرى وتشرف عليها مديريات عامة وهذه الأمور كلها مرتبطة بالنائب العام في الحجاز إلا أن المرجع الأعلى فيها هو الملك شخصياً . والأمور العسكرية : وهي مجموع التشكيلات العسكرية وهي مرتبطة بالملك مباشرة .
وقد نصت التعليمات على إنشاء أربعة مجالس هي مجلس الشورى والمجلس الإداري ومجالس النواحي ومجالس القرى والقبائل
كما أمر الملك عبد العزيز بتشكيل لجنة التفتيش والإصلاح في غرة محرم 1346هـ وكانت مهمتها مراجعة عامة للجهاز الإداري للدولة وتحسس مواطن الخلل فيه والعمل على إصلاحه وتنفيذاً لسياسة الملك عبد العزيز الهادفة إلى إعادة تنظيم أجهزة الدولة الإدارية لبسط السلطة على جميع مناطق دولته مع مراعاة الفوارق الإقليمية المختلفة أنشأ عدة أجهزة تنفيذية وإدارية منها :
أولا : النيابة العامة وهي : المرجع العمومي لجميع دوائر الحكومة وأقسام إداراتها وكل واحد من مديري الدوائر ورؤسائها يكون مسؤولاً أمامها عن حسن جريان الأمور الداخلية في دائرة وظيفته وهي أي النيابة مسؤولة أمام صاحب الجلالة الملك .
ويظهر أمران في تحديد مهام النيابة العامة وهي :
1- استثناء الشؤون العسكرية من مهام النائب العام .
2- إشراف النائب العام على الشعبتين الإدارية والقنصلية .
وبقيت النيابة العامة على هذا التشكيل إلى أن صدر نظام مجلس الوكلاء عام 1350هـ الذي ألغى النيابة العامة.
ثانيا : مجلس الوكلاء : يعتبر تطويراً لفكرة المجلس التنفيذي الذي تشكل عام 1345هـ نتيجة لاقتراح لجنة التفتيش والإصلاح التي أوصت بتكوين مجلس تنفيذي من رؤساء الدوائر الحكومية في الحجاز لمساعدة النائب العام في مهامه التنفيذية وكان يقوم ببعض الوظائف التشريعية ويتولى الوظائف التنفيذية معاً .
ثالثا : مجلس الشورى / كان الملك عبدالعزيز يعتبر الشورى أمرًا واجبًا في إدارته فقد أمر بانتخاب أعضاء مجلس الشورى الذي كان تطويرًا لمجلسين هما المجلس الأهلي والمجلس الاستشاري وتشكل أول مجلس من أعضاء متفرغين عام 1346 هـ مقره مكة المكرمة وبقي مجلس الشورى مهيمنًا على معظم أعمال الدولة التشريعية والتنظيمية وخاصة في الحجاز إلى أن تأسس مجلس الوزراء .
رابعا : مجلس الوزراء / كان لزيادة عدد الوزارات من ثلاث وزارات عند إعلان توحيد المملكة ( خارجية ، مالية ، داخلية ) إلى خمس وزارات هي : داخلية ، صحة ، مواصلات ، معارف ، إضافة إلى المديرية العامة للحج، والمديرية العامة للبترول والمعادن الأثر الكبير في قيام جهاز مركزي يبسط نفوذه على جميع مقاطعات المملكة فأنشئ مجلس الوزراء في 1 / 2 / 1373 هـ وكان مقررًا أن يفتتح المجلس في 1 / 4 / 1373 هـ ولكن وفاة الملك عبدالعزيز بعد شهرين من صدور المرسوم أخّر افتتاحه إلى 2 / 7 / 1373 هـ وكانت تتلخص صلاحيات مجلس الوزراء في رسم سياسة المملكة الداخلية والخارجية والمالية والاقتصادية والتعليمية وإصدار الأنظمة المدنية والعسكرية وإقرار الاتفاقيات الدولية، كما نص المرسوم على وضع نظام للوزارات يحدد صلاحياتها وواجباتها وأصبح رئيس مجلس الوزراء يهيمن على جميع الوزارات والدوائر الحكومية فلا تعقد امرأ إلا بعد موافقته.
// إدارة المقاطعات //
كانت متطلبات الأمن من العوامل التي أثرت على التقسيم الإداري كما أن ظروف البيئة وصعوبة المواصلات والتوزيع السكاني علاوة على المؤثرات الأخرى زاد من إصرار الملك عبد العزيز على التقسيم الإداري فأملت على الملك عبدالعزيز تقسيم المنطقة الشمالية من المملكة إلى مفتشية الحدود الغربية ومفتشية الحدود الشمالية.
والمقاطعات الرئيسية قبل انضمام الحجاز خمس هي نجد والقصيم والأحساء ومنطقة عسير وحائل ثم جيزان ونجران وحائل وكان الملك عبدالعزيز يبعث بهيئات تفتيش إلى مختلف المناطق ويحرص على استعراض إنجازات الدولة الإدارية مع النائب العام في نهاية كل عام . كما عين أمراء على المقاطعات بلغ عددهم أربعة وستين أميرًا كل منهم يتصرف في شؤون إمارته وفقًا لما يراه مناسبًا للعادات والعرف السائد مالم يرد فيه تعليمات من الملك إلى أن صدر نظام الأمراء والمجالس الإدارية في 13/1/1359 هـ حدد صلاحيات ومسؤوليات أمراء المقاطعات والمجالس الإدارية بصورة واضحة .
// المجالس الإدارية بالملحقات //
كانت مهامها الإشراف على الشؤون الرسمية والإصلاحية والعمرانية والبلدية والإدارية للمنطقة . وأسندت رئاسة المجلس الإداري إلى أمير المدينة والصلاحيات التي منحها النظام للمجالس الإدارية بالملحقات تشبه إلى حد بعيد صلاحيات مجلس الشورى ولا يستثنى من ذلك إلا التشريع .
الفصل الثالث // التنظيم القضائي :
إن الكيان الذي شيده الملك عبدالعزيز ديني المنشأ والتوجه فجعل للشريعة مكانة عظيمة ومميزة في تنظيمات الدولة ويقول رحمة الله : “دستوري وقانوني ونظامي وشعاري دين محمد صلى الله عليه وسلم”، كما أن الملك عبدالعزيز كان ينظر إلى إشاعة العدل كأساس للاستقرار في ربوع دولته ولحفظ كيانها .
توحيد مصادر الأحكام :
كان لتعدد المذاهب التي سارت عليه المحاكم في الحجاز معوقات الفصل في القضايا علاوة على طول إجراءات المرافعات الشرعية التي تؤخر إصدار الحكم أحيانًا حيث كان القضاة يصدرون أحكامهم وفقًا لأحد المذاهب الفقهية الأربعة .
وبعد أن استتب الأمر للملك عبد العزيز سعى لتوحيد مصادر الأحكام في محاكم الحجاز فأصدر عددًا من الأنظمة القضائية وخير ما يصور مدى اهتمام الملك عبد العزيز بأمور القضاء قوله : ” فإذا أصلحنا المحاكم هانت الأمور واستقامت الأحوال” .
وحرص الملك عبد العزيز على استقلال القضاء وإبعاده عن المتناقضات الإدارية التي تعارض غالبًا كل تنظيم جديد .
الفصل الرابع // التنظيم المالي :
كانت التنظيمات المالية التي أحدثها الملك عبدالعزيز تتطور جنبًا إلى جنب مع تطور التنظيمات الإدارية نظرًا للعلاقة الوطيدة بين التنظيمات الإدارية والمالية في كل الأحوال والمجالات وفي 11 / 4 / 1351 هـ صدر مرسوم ملكي بتأسيس وزارة للمالية في مكة المكرمة وقد ألحق بوزارة المالية على فترات مختلفة عدد من الدوائر الحكومية مثل مصلحة الجمارك والخزينة الخاصة ووكالة الدفاع ومصلحة المعادن والأشغال العمومية وإدارة الأبنية وتعبيد الطرق ومصلحة سجل العلامات الفارقة ومالية الأحساء .
ونظرًا للتطور الكبير الذي حدث في المملكة فقد استقلت بعض الدوائر وأنشئت دوائر جديدة تابعة لوزارة المالية وهي مصلحة الزكاة والدخل ومؤسسة النقد العربي السعودي .
تنظيم الموارد المالية ..
يقول المؤلف إن تنظيم الموارد المالية يستوجب النظر في الميزانية من حيث تحديد مصادر الدخل ووجوه الإنفاق وهذا لا يأتي إلا بضبط النقد ومن هنا لا بد من مناقشة النقد وشؤونه ابتداءً ثم الميزانية دخلًا وصرفها انتهاء .
1/ النقد:
كان التعامل النقدي في المناطق التي تشكلت منها المملكة يجري قبل توحيدها على تعدد العملات واختلافها باختلاف المناطق وتعددها ففي المنطقة الشرقية استخدمت العملة الهندية وفي المنطقة الجنوبية استخدمت النقود العثمانية والإنجليزية وفي نجد كثر تداول العملة النمساوية وغيرها من عثمانية وبريطانية وهندية وفي الحجاز سادت العملة العثمانية والهاشمية في التعامل هذا إلى جانب ما يجلبه الحجاج من عملات أقطارهم ولا شك أن هذا الخليط من العملات مع غياب عملة رسمية موحدة أدى إلى فوضى في التعامل وأثر على العمل التجاري والرسمي. وعندها أدرك الملك عبدالعزيز عظم المشكلة ورغبة منه في تحقيق مصلحة البلاد الاقتصادية والسياسية أصدر الملك عبد العزيز عام 1346هـ / 1927م أول نظام للنقد باسم / نظام النقد الحجازي النجدي المسمى بالنقد العربي / .
وتوالت بعدها الإصدارات المالية من الريال العربي وفئاته من الفضة حتى أصبح في المملكة قاعدتان للعملة النقدية قاعدة المعدن ويمثلها الذهب والفضة وقاعدة العملة الورقية وهذا النظام النقدي كان له تأثير كبير على موازنة الدولة من حيث تقدير الواردات سواء كانت من الموارد المحلية أو من الجمارك على الواردات الخارجية أو من النفط المرتبطة أسعاره بالعملات الأجنبية.
2/ الميزانية..
لقد تطورت مراحل إعداد الميزانية في المملكة وإجراءاتها تبعًا للمراحل التي مر بها تنظيم المملكة الإداري ونمو مواردها المالية وقد بدأ أول تنظيم للميزانية مع تكوين المجلس الأهلي بمكة المكرمه عام 1343هـ / 1924م وأخذت أعداد الميزانية في التطور إلى أن صدرت ميزانية عام 1365هـ / 1945م وفيها بيانات تفصيلية بالمبالغ التي استحصلت من كل مورد وكذلك المبالغ التي اعتمدت لجميع الدوائر والمصالح الحكومية.
الفصل الخامس// تنظيم الدوائر العسكرية..
يقول المؤلف إن دراسة الشؤون العسكرية عامة والتنظيمات الأمنية بصفة خاصة من أصعب الأمور التي تصادف الباحث لأن بعض المعلومات لم تسجل أحيانًا ومفقودة أحيانًا أخرى ومنسية في حالات كثيرة كما أن بدايتها تتسم بشيء من الغموض ونهايتها تحكمها دواعي السرية وهذا ينطبق على دراسة تنظيم القوات العسكرية وتنظيم قوى الأمن الداخلي المتمثلة في وزارتي الدفاع والداخلية.
//تنظيم القوات العسكرية//
تجمع المصادر على أن الملك عبدالعزيز لم ينشئ جيشًا نظاميًا قبل فتح الحجاز وكان اعتماده على الأمور التالية كخطوة أولى:
1 – القوة التقليدية : وهي عبارة عن قوة صغيرة من الرجال وهم بضع وأربعون رجلًا وبهذه القوة استطاع الملك عبدالعزيز أن يسترجع الرياض.
2 – قوة الإخوان : وهذه القوة هي قوة الأخوة في الله وفي الدين بصورة عامة وهي تطلق على البدو الذين هجروا حياة البداوة واستقروا في الهجر لدراسة العلوم الشرعية ويستجيبون للجهاد في سبيل الله متى جاءهم النداء.
3 – الهجانة: وهي وحدات صغيرة ملحقة بإدراة أخرى فهي مجموعة من الجنود والموظفين اكتسبت هذا الاسم من وسيلة مواصلاتهم وهي الهجن وكانت وحدات الهجانة تقوم بمهام عسكرية فقد شاركت وحدات منها في إخماد فتنة أبي رفادة عام 1351هـ وثورة الإدريسي في العام نفسه.
4 – المجاهدون: كان في الديوان الملكي مكتب يدعى / مكتب أهل الجهاد / يقوم بتنظيم عمليات استدعاء المقاتلين ويحدد أماكن وجودهم ونوع السلاح المسلم لهم وقد استمر على ارتباطه بالديوان الملكي إلى أن ألحق بوزارة الداخلية في 1 / 5 / 1383 هـ.
مما سبق يتبين لنا أن تلك الجيوش غير نظامية ومحدودة رغم ذلك فإن لها تنظيمًا معينًا في استدعائهم وتشكيلاتهم ونظام سيرهم وقتالهم وهذا لا يعني عدم رغبة الملك عبدالعزيز في بناء القوة العسكرية وإنما حكمته عوامل دينية واقتصادية وسياسية واجتماعية.
مع توسع التشكيلات أصبح الجيش الموظِّف الرئيس لأبناء البادية الذين كانت تغلب عليهم الأمية ولا تقبلهم الدوائر الحكومية ذات الأعمال الإدارية فارتفع عدد أفراد الجيش واتسعت فروعه، وتطلب الأمر إحداث تشكيلات تستوعب تلك الجموع وتواكب مسيرة التطور فكانت الخطوة الثانية في بناء القوات النظامية وهي تأسيس وكالة الدفاع.
//وكالة الدفاع//
تشكلت وكالة الدفاع بأمر ملكي صدر في شهر جمادى الآخرة عام 1353هـ وربطت وكالة الدفاع بوزير المالية بشكل مباشر ومن أبرز التنظيمات التي أنجزتها وكالة الدفاع إعادة تشكيل الوحدات وإعطائها أسماء تبين ملامح مهامها وطبيعة تكوينها .
وأنشئت المدرسة العسكرية بمرسوم ملكي عام 1348هـ وتطورت القطاعات العسكرية ولكنها كانت مركزة في الحجاز مما يشكل نقطة ضعف عسكري أساسي وتنبه الملك عبدالعزيز إلى هذه المشكلة وأصدر قرارات عدة:
الأول / إعادة النظر في توزيع القوات العسكرية على أن تكون نجد من أهم مراكز تجمع القوات العسكرية.
الثاني / تأسيس قيادة عليا واسندت لولي العهد وفي نفس العام أحدثت رئاسة الأركان.
مما تقدم يتضح أن بناء الجيش السعودي كان يسير بخطوات ثابتة ومتقنة أدت إلى اكتمال مقوماته الأساسية من مراكز للتدريب ووحدات ميدانية نشرت في معظم مناطق المملكة فتطلب الأمر خطوة ثالثة لرفع مستوى جهاز الإشراف الإداري فتأسست وزارة الدفاع.
//وزارة الدفاع//
أُلغيت وكالة الدفاع في 5 / 11 / 1363 هـ وحل محلها وزارة الدفاع وعين الأمير منصور بن عبدالعزيز وزيرًا للدفاع ومفتشًا عامًا وفي عهده أخذت النهضة العسكرية تسير بسرعة فقد اهتم بالتعليم العسكري والتدريب في الداخل والخارج فاستقدم بعثتين بريطانية وأمريكية لتدريب الجيش وتوسع في الابتعاث لدراسة المتطلبات العسكرية التي لا يمكن تحقيقها في الداخل وأحدث تشكيل سرايا آلية ومتحركة وأسس ورشة للأسلحة وأخرى للنجارة ومطبعة للجيش وشرع في بناء المصانع الحربية وأنشأت النوادي العسكرية والمستشفيات العسكرية وفي ظل هذا التطور في القوات العسكرية واتساع تشكيلاتها وفروعها أعيد تسمية وزارة الدفاع في 7 / 7 / 1371 هـ إلى “وزارة الدفاع والطيران والمفتشية العامة للجيش” وأصبحت تضم الطيران الحربي والطيران المدني والبحرية.
// تنظيم قوى الأمن الداخلي //
وهي القوات المسلحة المسؤولة عن المحافظة على النظام وصيانة الأمن العام وتوفير الراحة العامة بمنع الجرائم قبل حدوثها وضبط مرتكبيها وترعى هذه القوات وزارة الداخلية.
// وزارة الداخلية//
لقد مرت وزارة الداخلية بعدة مراحل تتطور مع تطور وتوسع التشكيلات الحكومية وأُنشئت فروع جديدة وكثيرة تتبع وزارة الداخلية تقوم على خدمة الشعب ومن هذه الفروع.
1- الأمن العام : من الأمور التي أولاها الملك عبدالعزيز جل اهتمامه موضع استتباب الأمن يقول الملك عبدالعزيز في منشور عام :” إن البلاد لا يصلحها غير السكون.. إنني أحذر الجميع من نزعات الشياطين والاسترسال وراء الأهواء التي ينتج عنها إفساد الأمن في هذه الديار المقدسة فإنني لا أراعي في هذا الباب صغيرًا ولا كبيرًا “.
2 – الشرطة: توسعت تشكيلات الشرطة وأصبح للشرطة فروع في جميع مدن المملكة.
3 – سلاح الحدود : حيث أنشأ الملك عبد العزيز المخافر على المنافذ وسير الدوريات على الحدود وكلف مراكز الإمارات والجمارك والشرطة والهجانة وبعض وحدات الجيش بأمن الحدود واهتم بحماية ساحلي المملكة الشرقي والغربي وأنشأ مصلحتين لخفر السواحل في فترة مبكرة من تاريخ المملكة في كل من الأحساء وجدة تحت المسميات التالية : مصلحة خفر السواحل في المنطقة الشرقية ، ومصلحة خفر السواحل في المنطقة الغربية .
تبين من هذا العرض لتنظيمات الملك عبدالعزيز الإدارية أن هناك عناصر مشتركة بين هذه التنظيمات في تطورها من حيث الدوافع التي استوجبت إدخالها أو من حيث المراحل التي مرت بها وهي مراحل تكاد تكون متطابقة؛ ولهذا تميزت إدارة الملك عبد العزيز بالتدرج والمرحلية في إدخال التنظيمات وتطويرها متأثرة بمراحل تطور الدولة السياسي والتي يمكن تقسيمه إلى ثلاث مراحل متتابعة هي:
أولًا : مرحلة البساطة وهي مرحلة تكوين نواة الدولة في نجد .
ثانيًا : مرحلة المجالس . وبدأت هذه المرحلة بصورة مبسطة في بعض الجوانب بعد ضم الأحساء إلا أنها أخذت صورتها النهائية بعد انضمام الحجاز .
ثالثًا : مرحلة التوحيد الإداري وفيها خضعت كامل مناطق المملكة لتنظيم إداري موحد مصدره الجهاز المركزي للدولة وياتي في خاتمتها قيام مجلس الوزراء .

زر الذهاب إلى الأعلى