أبرز المواديكتبون

التنمُّر المدرسي

 

بقلم _ د.أحمد بن سعد آل مفرّح*
من المسلمات التي لا تقبل الشك أن قضاء الله وأمره نافذ، ولا راد لحكم الله، فعندما نسمع بحوادث مميتة في بيئة من البيئات المختلفة، فلا مناص حينئذ من التسليم لأمر الله وقدره.. غير أن التساؤلات البشرية حول التساهل أو عدم الأخذ بالأسباب من باب “أعقل وتوكل” والمندوبة شرعاً وعقلاً، تساؤلات وجيهة ومنطقية.

ففي الغالب تذهب ردود الأفعال أو النقد بعد أي حادثة إلى مناقشة مدى متانة تلك الاحتياطات الضرورية وفعاليتها، ليس اعتراضاً على قضاء الله وقدره، بل ربما لتلافي حدوثها مستقبلاً أو لإيجاد مبررٍ منطقيٍ لسبب وقوع هذه الحادثة أو تلك، أو ببساطة لتعليق اللوم على سبب معين!.

في البيئة المدرسية -مثلاً- تقع كثير من الحوادث، بعضها قاتل مع الأسف، ثم يأتي التنمّر المدرسي كسبب رئيس في بعض تلك الحوادث، خصوصاً بين فئة الشباب الذين يمتازون فطرياً بالاندفاع والحركة وعدم تقييم عواقب تصرفاتهم، أو قد يكون بعضهم تحت تأثير وهيمنة الألعاب الالكترونية الخطيرة، أو بسبب تعاطي المخدرات، أو لكون بعضهم كانوا يوماً ما ضحايا عنف أسري أو مجتمعي، فيصب أحدهم جام غضبه وتأثره على الأقران الأضعف في دائرته الضيقة لينفس عن نفسه ويبرز قوته ويختبر رجولته على أولئك الأقران أو من يملك القوة ضدهم بحكم التقارب السني والاحتكاك اليومي؛ وعندما تكون بيئة المدرسة مهملة نمى ذلك التطرف التنمري وترعرع ونتج عنه حوادث قاتلة بدم بارد وتكون المدرسة حينها هي المسؤولة الأولى عن ذلك.

عندما تغيب المتابعة الدقيقة للطلاب في محيط المدرسة ويتراخى مسؤولوها عن تأدية مهامهم، وتضعف أدواتهم الإرشادية الفاعلة، وتخفق برامج تدريب المعلمين التي تساعدتهم على اكتشاف ومعالجة حالات العنف اللفظي والجسدي بين الطلاب، أو عدم اكتراث المعلم بجدية التهديدات التي تصدر من بعض الطلاب لبعضهم، أو لضعف أو عدم توفر أدوات الاحتواء التي تملكها المدرسة أو لغياب القدوة المثالية في المدرسة، أو عدم إشغال أوقات فراغ الطلاب بما هو مفيد؛ فإن كل أو بعض ذلك ستشكل مسببات جوهرية تجعل من بعض المدارس بيئات معززة للتنمر.

قد لا يروق للبعض إلقاء اللوم على المدرسة في هذه المساءلة وأتفهم ذلك، ولكن الحقيقية أن ضعف دورها القيادي والإرشادي أدى إلى كثير من قضايا التنمر ونشوء بعض العادات والسلوكيات غير السليمة في البيئة المدرسية في الآونة الأخيرة وبشكل لافت وملحوظ؛ ومن هنا فإن عودة الإرشاد الطلابي أو برامج الخدمة الاجتماعية الطلابية الإبداعية الفاعلة تعتبر اليوم مطلباً مهما للحد من التنمر المدرسي ومن السلوكيات الخاطئة، ولا مناص حينئذ من وجود المختصين المؤهلين المسلحين بأدوات نفسية واجتماعية إحترافية ممن يملكون إمكانات تربوية واعية من أجل إيجاد بيئة مدرسية متزنة وآمنة تقف بصلابة في مواجهة الاختطاف الفكري والقيمي والسلوكي المحموم الذي قد يعصف بالناشئة جراء تأثيرات الفضاء الرقمي المذهل المفتوح الذي لا حدود له.

عضو مجلس الشورى السابق*

زر الذهاب إلى الأعلى