أبرز الموادأهم الاخبار

السعودية .. دبلوماسية ماهرة وحياد نوعي يصنع الفرق

المناطق_متابعات

نجحت الوساطة السعودية، بقيادة الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد في إفراج روسيا، الأربعاء الماضي، عن عشرة أسرى، يحملون جنسيات دول مختلفة، “خمسة بريطانيين وأمريكيان وسويدي وكرواتي ومغربي”، كان الجيش الروسي قد أسرهم خلال الحرب في أوكرانيا. أشرفت المملكة على تأمين عملية انتقال المفرج عنهم، وتسهيل إجراءات عودتهم إلى أوطانهم، في خطوة إنسانية بدلالات خاصة، تبعث بالأمل في خضم تزايد حد السباق نحو حشد الدعم والتأييد لهذا المحور أو ذاك.

تمكنت الدبلوماسية السعودية من إنضاج هذه المبادرة الإنسانية النبيلة على نار هادئة، بعيدا عن ضجيج وصخب الإعلام، الذي تحول أكثر من مرة إلى سبب مباشر لفشل المبادرات قبل ولادتها. زمنيا، تطلب توفير إنضاج المبادرة عدة أشهر، حسب ما جاء على لسان ممثل الدبلوماسية السعودية. وتبقى لحظة إعلان الرياض المبادرة فارقة بكل المقاييس، إذ جاء في وقت اشتدت فيه الأنفس، بسبب تصاعد لهجة التهديد باستخدام السلاح النووي، ما ينذر بتحول الحرب إلى كارثة، تهدد الوجود البشري بأسره.

أخبار قد تهمك

حظيت المبادرة السعودية بالإشادة والثناء والتقدير من كبرى العواصم العالمية، واشنطن ولندن وستكهولم وكييف وموسكو… بعدما أفلحت القيادة السعودية فيما فشل فيه غيرها إيمانويل ماكرون، أولاف شولتس، ناريندا مودي…، ألا وهو الظفر بثقة الطرفين الروسي والأوكراني، من خلال الإبقاء على التواصل المستمر معهما إلى حين إتمام العملية بنجاح. هكذا استطاعت الرياض أن تصنع مكانتها كوسيط موثوق فيه، اختار الحياد منذ الأيام الأولى للحرب، لإيمانه المطلق بوجود خيارات أخرى غير لغة السلاح والقتال.

تدشن المملكة بهذه المبادرة النوعية مسارا جديدا في دبلوماسيتها، قوامه القوة الناعمة في مواجهة التحديات. وفي هذه الحادثة أكثر من مؤشر على تملك الرياض مقومات هذا النهج الدبلوماسي الجديد، بدءا من قدرتها على إبقاء المبادرة طي السرية والكتمان حتى آخر لحظة، ما وفر لها جميع سبل النجاح. إضافة إلى اتسام دبلوماسية الرياض بالنفس الطويل، فالأحاديث تفيد بأن مشروع المبادرة كان في نيسان (أبريل) الماضي، ما يعني أن المملكة بلورت أسلوبها الخاص في الوساطة، في عز الصراع والاقتتال بين الطرفين.

هذا، وسبق للمملكة أن اقترحت الوساطة بين الطرفين، في الأسابيع الأولى لاندلاع الحرب، بعقد محادثات بين روسيا وأوكرانيا في الرياض. وكان الرئيس فلاديمير بوتين قد عبر، في تموز (يوليو) الماضي، عن شكره للمملكة على عرضها الوساطة لإنهاء الحرب قائلا: “… وكذلك مقترحات الدول الأخرى، مثل السعودية التي تعرض الوساطة… هي دول تمتلك القدرة على ذلك، فنحن نشكر جميع أصدقائنا الذين يعرضون إمكاناتهم. حتى مجرد الرغبة في المساهمة بشكل ما يعد أمرا نبيلا”.

أدرك المراقبون وكثير من الساسة بعد نجاح هذه المبادرة، سبب اختيار الرياض عدم الانحياز لأي فصيل في الأزمة، رغم الضغط السياسي والإعلامي الغربي على المملكة، لثنيها عن موقف الحياد من الحرب. خاصة أن دول مجلس التعاون الخليجي سارت خلفها، باتخاذ مسافة أمان بين الطرفين المتحاربين، مع تأكيد وجوب الانتصار للغة الحوار والتفاوض، عملا بمضمون المادة الثانية، من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحث على “عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية”.

ترسل الرياض، بهذا الإنجاز، رسائل إلى الدول الغربية، بأن بقاء أطراف على الحياد، عكس رغبة واشنطن وحلفائها منذ أول أيام الحرب، من شأنه أن يكون ذا عائد وأثر بالنسبة إلى الجميع. ولا سيما إذا امتلك هذا الطرف مقومات دبلوماسية ماهرة، استطاعت كسب ثقة مختلف الأطراف، بإبقائها على هامش مناورة واسعة، وحفاظها على قنوات اتصال مفتوحة. هذه الركائز الثلاث التي اتسمت بها دبلوماسية المملكة كانت السر وراء نجاح المبادرة، يضاف إليها طبعا وزن ومكانة قيادة المملكة التي تولت، بشكل شخصي، رعاية هذه المبادرة الإنسانية النبيلة.

استطاعت المملكة أن تراكم سجلا حافلا من النجاحات في الوساطة في العالم العربي، أحيانا بين الفرقاء السياسيين داخل الدولة “فلسطين، لبنان، اليمن، العراق…”، وأحيانا أخرى بين دول عربية فيما بينها “مثلا المغرب والجزائر/ 1989”. لكن مبادرة الدبلوماسية السعودية هذه المرة تظل نوعية، لكونها ترتبط بأطراف خارج نطاق الدوائر التقليدية، العربية والإسلامية، التي تحظى فيها المملكة بتقدير خاص بالنظر إلى مشروعيتها الدينية. فضلا عن قدرتها على النجاح في أوج الحرب، حيث وصل الأمر مستوى التهديد باستعمال السلاح النووي.

لكل ما سبق، يتوقع الخبراء والمراقبون أن تكون المبادرة السعودية بمنزلة إعلان قوة دبلوماسية رئيسة في الشرق الأوسط، تكافئ مكانة وقوة المملكة الاقتصادية على الصعيدين الإقليمي والدولي، فهي قائدة الوحدة الخليجية والعضو العربي الوحيد في مجموعة العشرين العالمية.

زر الذهاب إلى الأعلى