يكتبون

الصحة ودوام الفترتين !!

ما بين مؤيد ومعارض يتربع على صفيح ساخن قرار وزارة الصحة بإعادة دوام مراكز الرعاية الأولية على فترتين بدلا من فترة واحدة !! بعد أن كان في وقت سابق فترتين وتم تعديله في عام 1426هـ إلى فترة واحدة لعدم جدوى دوام الفترتين حسب مرئياتهم آنذاك، وهاهي الوزارة تتوجه مجددا لإعادته إلى فترتين، حيث أمضى المسئولين على هذا الملف وقتا طويلا في دراسته ووقفوا حائرين على اتخاذ القرار المناسب، مما حدى بهم مؤخرا إلى إعداد استبانة لأخذ رأي المستفيدين من خدمات المراكز الصحية حول أي الأوقات تناسبهم لمراجعة المراكز!.

ولعلي أتعجب من طرح هذه الاستبانة فالإجابة معروفة مسبقا لمن طرحها فالمواطن الموظف سيكون خياره فترة المساء والغير موظف سيكون الصباح أنسب له تجنبا للزحام والغريب أيضا أنها جاءت بعد ردة الفعل الغاضبة لجل العاملين بهذه المراكز ومعارضتهم الشديدة لقرار إعادة دوام الفترتين وما سيترتب عليه من آثار سلبية على حياتهم الأسرية بشكل كبير وخاصة الطبيبات والممرضات العاملات بها، اللآتي لن يستطعن التوفيق بين وقت عملهن الذي يمتد إلى الثامنة أو التاسعة مساء وبين رعاية أسرهن وأطفالهن وسيدخلن في حالة نفسية سيئة ستنعكس سلبا على أداء وجودة عملهن ولن يجني المريض الذي يبحث عن خدمة ورعاية متميزة بغض النظر عن الوقت (فالمرض لا يعرف وقت) من هذا القرار إلا مزيدا من القصور والاهمال في هذه المراكز عندما يعمل طاقمها في فترات يكون فيها أسرهن بأمس الحاجة إلى وجودهن إلى جانبهن!!.

في المقابل يتحجج المؤيدون لهذا القرار وغالبيتهم من المسئولين والعاملين بالمستشفيات أن دوام الفترة الواحدة جعل أقسام الطوارئ صارت تعج بآلاف المراجعين في فترات المساء وخرجت بذلك عن الهدف الذي انشأت من أجله حيث أصبحت تقوم بعمل مراكز الرعاية الأولية فمعظم الحالات التي تراجعها حالات باردة تتجاهل الذهاب عمدا للمراكز في أوقات عملها لتحظى بإبرة أو مغذية لا توفرها لها المراكز الصحية !، ظنا واعتقادا منهم أن (الإبرة والمغذية) هي العلاج الناجع والفعال لجميع الحالات دون استثناء!، مما تسبب في اهدار طاقة أقسام الطوارئ، وأدى الضغط الشديد عليها من هذه الحالات إلى ضعف الاهتمام بالحالات الحرجة والطارئة التي أنشئت من أجلها !.

وما بين هذه الردود المتباينة، أرى أن وزارة الصحة اهتمت كثيرا بهذا الموضوع وركزت عليه حتى أصبح شغلها الشاغل في الفترة الماضية وتناست أو تجاهلت موضوعا أهم منه بكثير!!، ولو تم تفعيله بالشكل المطلوب لأدى بإذن الله إلى تحقيق العديد من الأهداف الصحية التي تتبناها الوزارة وعلى رأسها تقديم خدمة صحية ذات جودة عالية لجميع المرضى، وسيساهم أيضا في حل العديد من المواضيع الشائكة ومن ضمنها موضوع دوام المراكز؟.

التثقيف الصحي هو الموضوع الأهم الذي يجب أن تتبناه وزارة الصحة بقوة وتنفق عليه الكثير والكثير ، وهو الحل الأمثل والفاعل ، فعندما تركز وزارة الصحة على التثقيف الصحي وتجعل منه هدفا عالي الأهمية لديها ، تعمل من خلاله على رفع درجة الوعي لدى المواطن والمقيم وتوجه لهم رسائل تثقيفية متنوعة ومستمرة عن أهمية التوجه إلى مراكز الرعاية الأولية باعتبارها الخط الأول في العلاج وعدم إهدار طاقة أقسام الطوارئ بالمستشفيات بمراجعتهم لها بالحالات الباردة ( مع تحديد أنواع الحالات الباردة وأعراضها وعلاجها ) وأن أقسام الطوارئ مخصصة للعناية بالحالات الطارئة فقط ، ومراجعتهم لها بالحالات الباردة يفوت الفرصة على إعطاء العناية الكافية للحالات الحرجة ، على أن تعمل هذه الرسائل في قوالب تمثيلية من شخصيات معروفة في هذا المجال ، وتنشر بالصوت والصورة في وسائل الإعلام المختلفة ومطبوعة توزع في المراكز والمستشفيات أيضا لتساهم في لفت انتباه المشاهدين والمراجعين وتوعيتهم وإرشادهم إلى الطرق الصحيحة للعلاج بالإضافة إلى توعية العاملين بمراكز الرعاية الأولية وتدريبهم على أنهم ليسوا مجرد مراكز مفتوحة لإعطاء التطعيمات وإنما دورهم كبير جدا ولابد أن يشعر المريض الذي يراجعهم بعناية فائقة واهتمام بالغ منذ دخوله وحتى خروجه من المركز ، عندها أجزم إن شاء الله أن وزارة الصحة لن تعود بحاجة إلى إعادة فتح ملف دوام الفترتين في المراكز الصحية ..

زر الذهاب إلى الأعلى