يكتبون

“القرنبع”

أول سيارة اشتريتها كانت من نوع الفلكس القديم ، وحينها كنت فـي مرحلة الثانوية ، وقد جمعت راتب ثلاثة أشهر من عمل صيفي فـي شركة الكهرباء بالرياض فـي الناصرية ، يبدأ من الفجر حيث أقوم بتسجيل أرقام العدادات ومطابقتها قبل تسليمها للمشتركين .. وكانت السيارة نتاج أول حالة غش وخداع أتعرض إليها وأتذكرها حيث باعني صاحب معرض للسيارات فـي الرياض هذه السيارة وهو يعرف أنها (مخبطة) وبسعر مضاعف ، وانطلقت بها وأنا لا أعرف القيادة، وإنما الجرأة وتشجيع صديق لي رافقني فـي رحلة الشراء تلك.. وتذكرت معرض السيارات بعد أن وصلت لأمريكا بعد سبع سنوات من هذه الحادثة ، حيث لحظت أن الكتيب التعريفي الذي توزعه الملحقية التعليمية فـي هيوستن تضمن توجيهات للطلبة ، ومنها ألا يساوموا ويفاصلوا فـي الأسعار فهي محددة مسبقاً فـي الأسواق المركزية والتجارية ، وكل شيء معروف مسبقاً ، ولا تنفع طريقتنا العربية فـي مناقشة البائع فـي السعر ماعدا معارض السيارات فقد حذر الكتيب من ألاعيبهم ونصبهم واحتيالهم ، وأنه لابد للطالب أن يفاصل بالأسعار وأن يحتاط عند شراء سيارة.. ودهشت لهذه المفارقة العجيبة بين معارضهم ومعارضنا ، بل إن حالة معارض السيارات وحراج السيارات وما يفعله بعض (الشريطية) الذين يتصفون بالخداع وعدم الأمانة ويلخمون البائع والمشتري للتلاعب بالأسعار كما يشاءون ، وهذا أمر محزن وبالذات لدينا ، حيث ينهى ديننا الحنيف عن الغش والتزييف ويدعو للأمانة والصدق طبعاً..
عموماً لم تستمر تلك القرنبع ، وتخلصت منها بعد شهر بخسارة كبيرة عدت بعد أشهر لجمع بعض المال من عملي الإضافـي المسائي فـي إحدى الصحف واشتريت سيارة قديمة كالسابقة تتناسب مع المبلغ الذي أملكه وكانت أفضل من سابقتها.. وتوالت السيارات مع مرور السنين ولله الحمد وبشكل تصاعدي الى أفخم السيارات وارتباط ذلك بعلاوة أو ترقية أو حافز وظيفي، ولم تكن السيارة الفخمة هاجساً، ولكن الهاجس كان فـي السيارة العملية والأكثر فائدة والأقل فـي العطل والتي لها خدمة جيدة فـي الصيانة والمتابعة ..
وسبب ذكري لهذا الموضوع هو ما أشاهده من مبالغة غير مقبولة عند الحكم على الأشخاص بالنظر إلى سياراتهم التي يقودونها والتي من خلالها تتضح مظاهر الفخامة والرفاهية والثراء ويكون المظهر هو الأساس وليس الجوهر.. وممايؤسف لـه أنك إذا كنت مدعواً لحفل أو مناسبة فإنك تحظى بالدخول أو الوقوف فـي موقف معين ، فسيارتك هي التي تحدد ذلك.. فإذا كانت السيارة فخمة وجدت الابتسامات والترحيب والتوجيه إلى عمق الحفل ، وإذا كانت غير ذلك -حتى ولو كانت معك دعوة فئة ممتازة- وجدت الإيقاف والأسئلة المتكررة والمعقدة وكأنهم يستكثرون عليك هذا الحفل وأنت بهذه السيارة.
فرسالتي فـي هذا المقال هي الإيمان بأن الله يحب أن يرى آثار نعمه على عبده، ولكن ليس بالكبرياء والتفاخر والمبالغة بالمظاهر ، بل المطلوب تعميق أمور مهمة لدى الناشئة أو الشباب بأن أمانتك وجديتك وثقافتك ووعيك ووطنيتك وإخلاصك وأخلاقك وتواضعك وعلمك هي جوهرك ورسالتك التي تقدمك للناس، وليس مظهرك ونوعية سيارتك.. فالمطلوب من المرء -حسب المثل القائل-: (أن يمد لحافه على قد قدميه).. وألا يلجأ للقروض وتحميل نفسه بها أو الحصول على المال بطرق غير أمينة حتى يكون لديه سيارة يتفاخر بها عند الناس… فالحكم على الأشخاص بجوهرهم وليس بسياراتهم.

*من كتاب / كل شيء ينمو

زر الذهاب إلى الأعلى