أبرز المواديكتبون

“بين الكعبة وكسوتها.. لحظات لاتنسى”

دلال القحطاني

تشرفت مطلع هذا الأسبوع بزيارة لمجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة بعد أن تلقيت دعوة كريمة لزيارته، وكم كانت سعادتي غامرة أن أتيحت لي هذه الفرصة الرائعة التي كان لها كبير الأثر في نفسي لعدة أسباب.

أولها: أن زيارة المجمع لا تتاح إلا للجهات الحكومية أو المجموعات أو لضيوف الدولة من السياسيين والعلماء وكبار الشخصيات.

وثانيها: أنني كنت أتطلع إلى زيارة مثل هذه الأماكن المميزة التي لها مكانتها، ليس على مستوى المملكة فحسب، بل على المستوى العربي والإسلامي والعالمي أيضاً، والتي تحظى باهتمام كبير من قيادة هذه البلاد أعزها الله.

وثالثها: أنني حظيت ومرافقي الحبيب ابني “زياد” إضافة لتلك الحفاوة الكبيرة من القائمين على مصنع كسوة الكعبة المشرفة بمشاهدة ومعرفة ما لا يمكن أن أشاهده وأعرفه لو لم أزرْ هذا المجمع.

وآخرها وأجملها: أنني شاركت والحمد لله في حياكة كسوة الكعبة المشرفة لهذا العام.

في هذا المكان وخلال تلك الزيارة اختلطت المشاعر، وعشت لحظات مختلفة بين الفرح والسرور، والشكر لله تعالى أن قيّض لهذه البلاد عامة، وللحرمين الشريفين بشكل خاص حكومة وقيادة مؤهلة لحمل تلك المسؤوليات الجسام التي أصبح العالم يشير إليها بالبنان، ومن تتاح له زيارة المشاعر المقدسة يرى حجم ما تنفقه المملكة بمليارات الريالات على خدمة وتطوير الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وخدماتها المختلفة، لتستقبل ملايين المعتمرين والحجاج والمعتمرين من كل أصقاع الأرض، والذين تقدم لهم كافة الخدمات التي لا يمكن أن يتوقعونها منذ أن تطأ أقدامهم أرض المملكة العربية السعودية حتى يغادرونها بأمن وسلام وسعادة وراحة واطمئنان.

في سياق تلك الزيارة استمعت إلى عرض تفصيلي عن المجمع، ومراحل صنع كسوة الكعبة ونوع القماش والخيوط المستخدمة والطريقة التي تتم بها حياكة كسوة الكعبة المشرفة، ويسعدني مشاركتكم جزء بسيط بما تسمح به مساحة المقال من تلك المعلومات.

تأسس مصنع كسوة الكعبة المشرفة عام 1346هـ ومرّ بمراحل ومواقع مختلفة حتى تم إنشاء مبناه الجديد على مساحة تتجاوز مائة ألف متر مربع وافتتح في 7 ربيع الآخر عام 1397هـ، ومر بمراحل متوالية من التطوير والتحديث والتي تضمنت جلب أحدث المكائن والآلات والتقنيات، وتدريب أفضل العاملين.

وتمر صناعة كسوة الكعبة بعدد من المراحل تبدأ بالصباغة والنسيج الآلي ثم قسم المختبر فقسم الطباعة ثم قسم التطريز يليه قسم تجميع الكسوة، ويعمل في تلك الأقسام أكثر من مائتي عامل جميعهم سعوديون، وتصنع كسوة الكعبة المشرفة من قماش الحرير الطبيعي المصبوغ باللون الأسود، وتستهلك كسوة الكعبة المشرفة أكثر من 700 كيلو جراماً من الحرير الذي يتم صباغته ونسجه وحياكته داخل المصنع، وتنقش عليها عبارة (لا إله إلا الله محمد رسول الله ) و (سبحان الله وبحمده) و (سبحان الله العظيم) و (يا حنّان يا منّان يا الله)، كما ينتج مصنع كسوة الكعبة المشرفة كل عام الكسوة الداخلية للكعبة، وأعلام المملكة العربية السعودية.

ما يلفت النظر في هذا الزيارة هو الجودة والإتقان لكل تفاصيل الإبداع في كل ما يتعلق بكسوة الكعبة المشرفة من حياكة وصناعة للثوب الأغلى، وتوظيف الذكاء الاصطناعي، وإدخال أحدث الأدوات التقنية ليظهر في أجمل حُلّة كونها كسوة لأطهر مكان على وجه الأرض، ويبلغ ارتفاع ثوب الكعبة 14 متراً، وفي الثلث الأعلى منه يوجد حزام عرضه 95 سنتيمتراً، وطوله 47 متراً، ومكون من 16 قطعة محاطة بشكل مربع من الزخارف الإسلامية، وتتكون الكسوة من أربع قطع، تغطي كل قطعة وجهاً من أوجه الكعبة المشرفة، والقطعة الخامسة هي الستارة التي توضع على باب الكعبة، ويبلغ عدد قطع حزام كسوة الكعبة المشرفة 16 قطعة، و12 قنديلاً أسفل الحزام و4 صمديات توضع في أركان الكعبة، وخمسة قناديل “الله أكبر” أعلى الحجر الأسود، إضافة إلى الستارة الخارجية لباب الكعبة المشرفة.

كما تم إطلاق عدداً من المبادرات التطويرية والتنظيمية لمجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة منها مبادرة التحول التقني، وتحويل المجمع لمعلم حضاري، وتحسين المذهبات، وطرح مشروع جائزة الخط العربي ومعرض الخط العربي، ومبادرة “إجلالاً ومعرفة” التي تستهدف استقبال الوفود والمشاركة في المعارض المحلية والإقليمية والتعريف بصناعة كسوة الكعبة.

وأخيراً.. فقد كانت تلك الزيارة بعد أدائي للعمرة شرفاً عظيماً وسعادة غامرة أضافت لي على المستوى المعرفي والشخصي الشيء الكثير، فشكراً لله أولاً أن منّ عليّ بهذا الفضل، وشكراً للقائمين على هذا المجمع على حسن الاستقبال ولطف العبارة، وعلى ما شاهدته خلال تلك الزيارة الرائعة والمختلفة والتي سجلتها ضمن قائمة اللحظات الرائعة في حياتي.

*كاتبة وشاعرة سعودية

زر الذهاب إلى الأعلى