يكتبون

توم وجيري.. وصراع المفاهيم

بقلم : د. محمد هلال*

كان للفيلم الكرتوني “توم وجيري” الترفيهي أثر كبير على أجيال متتالية شاهدته في طفولتها، وتأثرت به في تكوين شخصيتها، تأثير امتزج بالبهجة والإثارة للأطفال الذين يتشربون المحتوى الإعلامي الممتع بسهولة.

لكنّ سؤالًا يطرح نفسه عن المغزى من تصدير “توم وجيري” وشبيهاتها من البرامج الغربية التي تحمل التسليّة، محمّلة بمضامين ومفاهيم قد تناسب الحياة الغربية، لكنها تُعارض الثقافة وطبيعة الحياة في البيئة العربية والإسلامية.

أخبار قد تهمك

ربما لم نتساءل بالقدر الكافي عما يعكسه من قيم الحضارة الغربية، ولنتذكر معًا الثيمة الرئيسة في مواقف هذا الكرتون، المتمثلة في “جيري” ذلك الفأر الخبيث الماكر، “وتوم” القط الساذج الغبي الثقيل البطيء.

لا يحتاج الأمر إلى كثير عناءٍ حتى تتضح أمامنا، خلفيات تلك التيمة الدرامية، والتي تعكس لنا في جوهرها الفكرة الدارونية النيتشوية التي قامت عليها الحضارة الغربية الحديثة وما نتج عنها من فاشية ونازية وصهيونيه والتى تؤسس مفهوم البقاء للأقوى والأصلح.

وأن الضعيف هو ذاك الإنسان الثقيل الغبي الذي يمثل عبـئًا على المجتمع يجب التخلص منه والاستهزاء به، وهذا عكس ما يدعونا إليه ديننا الحنيف والشرائع السماوية كافة التي ترشدنا للأخذ بيد الضعيف حتى يصبح قوي، حيث تسير القافلة على أضعف الركب، “والضعيف فيكم قوي حتى آخذ الحق له”.

لقد كان لهذا المفهوم الغربي أثره الجلي فى سوق المال والأعمال في عالمنا العربي حيث النجاح للأقوى والأكثر مكرًا، وكأنها ساحة حرب وليس مجال لتحصيل الرزق وكسب الحلال، فعلى قدر مكرك، وادعاء الفهم، والتذاكي، من المفترض أن تنال تقديرًا ورفعةً.

فليس لنا أن نأخذ بيد الضعيف ونعاون ونعلّم ونطمئن الناس ونؤصل مفهوم العمل الجماعي وفرق العمل والنجاح الجمعي، هذا هو مفهوم “توم وجيري” الذي تم تصديره إلينا من قبل ويتم تصديره إلينا الآن بصور مختلفة بعد ما تم تحديثه.

ولأننا أصبحنا نتلقف المفاهيم الغربية التي تلقي إلينا دون أن نتوقف لنعمل عقولنا فى فهمها ومعرفة مصدرها، ونتساءل هل تصلح لنا ولمجتمعاتنا؟ أصبحنا نرددها  كالببغاء، فتلقفنا مثلاً مفهوم “حقوق الإنسان ” ولم نسأل على أي فلسفة استندت تلك المقوله؟ وكيف كانت نتائجها على المجتمع الغربي؟

لماذا ننادي مثلاً بمفهوم “تنظيم الأسرة” ولا ننادي بـ “حقوق الأسرة”، وأيهما أفضل مفهوم “حقوق الإنسان” القائم على الحريّة الفردية المطلقه، وكأن الانسان يعيش وحيداً فى هذا الكون يفعل ما يحلو له من تحصيل ملذات بغض النظر عن مردودها السلبي على المجتمع أم الأفضل استخدام مفهوم “حقوق الأسرة” القائم على أن الإنسان كائن إجتماعي بطبعه يعيش بين الناس ويترتب على حريته تلك أعباء ومسئوليات كما يترتب عليها حقوق وواجبات تجاه الآخرين.

يجب علينا أن نفكر مليًّا فى كل ما يلقى ألينا وأن نمعن النظر فيه لعله لا يناسبنا وحتى لا نكون مجرد مقلديين فحسب.

*خبير اقتصادي ومالي.

زر الذهاب إلى الأعلى