يكتبونأبرز المواد

صفعة الرحمة

أحمد بن سعد آل مفرّح

الصفعة، معنوية كانت أم حسية، مؤلمة، بل إن أثر الصفعة المعنوية قد يكون غالباً أكثر إيلامًا!؛
مع ذلك فقد تكون أحياناً بمثابة صفعة رحمة؛ تنبه غافلاً من غفلته، أو توقض ضميراً ميتاً من سكرته، أو تلفت انتباه لاهٍ من لهوه، أو توضح معالم الطريق أمام أعمى بصيرة يتخبط في حلكة ظلام موقف ما، أو تعيد أموراً منفلتة إلى أوضاعها الطبيعية بعدما فُقدت السيطرة عليها أو انحرف مسارها!.

إن طبيعة النفس البشرية لا ترضى بالهوان أو الذل ولا بممارسة العنف اللفظي أو الحسي تجاهها، ولا تستكين لفرض أو تغيير واقعها بقوة نظام أو سطوة سلطة، ولكنها قد تحمد يوماً نتائج إجراء تم اتخاذه يوماً ما ضد رغبتها، فتتقبل معه واقعاً مغايراً حسبته فيما سبق غير ممكن وغير مقبول، وعندما وُضعت فيه وجدته مناسباً لها ولقدراتها فأبدعت وأنتجت ونمت وسكنت رياح المقاومة العاطفية التي انتهجتها وتولى العقل عندئذ إدارة الأمور، فتكون النتائج مبهرة.

إن المسؤول الذي يحرك أحد موظفيه إلى موقعٍ غير موقعه، أو إلى مكان غير مكانه، تحت وطأة الحاجة ومتطلبات العمل، واستثمارا لكوامن وقدرات الموظف التي قد لا يراها ولا يقدرها إلا المسؤول الذي يرى الأمور من خارج الصندوق وبشمولية أكبر، فيُحرّك الموظف أو يُنقل أو حتى يُرقى رغما عنه، فيتذمر وقد يقاوم ويعارض ذلك الإجراء لأن نفسه ألِفت السكون فحسب، وعندما ينصاع في نهاية المطاف ويقبل الوضع الجديد بحكم السلطة الإدارية التي فُرضت عليه، تغير حاله إلى الأفضل، فالصفعة هنا والتي قد تبدوا للوهلة الأولى مؤلمة ولكنها أثبتت مع مرور الأيام أنها كانت صفعة رحمة صححت المسار وحملت في طياتها الخير؛ وقد قيل “لعل الخير يكمن في الشر”.

كثيرون مثل ذلك الموظف في مواقع مختلفة وفي ظروف شتى في المجتمع يحتاجون لصفعة رحمة لتغيير واقعهم المتردي الذي يتشبثون به ظنا منهم أنه الأفضل، وعلى الرغم من معاناتهم من ذلك الواقع أيا كان، إلا أنهم يقبلون به ويحبذون البقاء فيه في انتظار تحسن الأحوال أو تغير الظروف المحيطة بهم أو ربما في انتظار ذراعٍ صادقة حازمة (صفعة رحمة) تدفع بهم لواقع أفضل قد لا يرونه أو يخافون منه أو يخشون ببساطة من خوض غمار تجربة جديدة أو يترددون في اهتبال فرصة مؤاتية وقد اثقلهم التردد واشقاهم الوجل وأغراهم السكون والدعة متمثلين في ذلك مقولة “الله لا يغيير علينا”، مع أن التغيير في أحايين كثيرة وفي حق كثيرين حتمي وضروري حتى يتحسن الحال ويتحقق المآل.

زر الذهاب إلى الأعلى