يكتبونأبرز المواد

عبدالله دحلان.. رمز الوفاء

بقلم: د.أحمد بن سعد آل مفرّح

سمعت كثيراً عن الدكتور عبدالله بن صادق دحلان، وقرأت له مقالات عديدة قبل أن يجمعنا الله في مجلس الشورى تحت قبة الوطن، وهناك سبرت غور تلك الشخصية المتفردة، وعرفت الكثير عنها، فبجانب شخصيته الأنيقة الجاذبة، فإن باطنه يخفي الكثير والكثير.

كنت أُرخي سمعي بشغف عند مداخلاته الشورية للتركيز فيما يقول؛ يبدأ مداخلته بإثارة الأعضاء بموقف طريف، أو معلومة جاذبة تنقله باحترافية ومهنية إلى لبِّ مداخلته، فلا يتوّه الأعضاء والمتلقين بحديثه، ولا يغرقهم بتنظيره، ولا يرفع سقف توقعاتهم، وحديثه شيقٌ وسلس، تخرج عبارته بثقة، طيّعة، بلغة واضحة، وبلهجة رشيقة تستشف منها أدب الرجل وحسن خلقه وتربيته وعمق فكره، فحديثه ماتع وصريح وصادق وشفاف، دون تجريح لأحد، أو مبالغة أو تذمر، تحظى مداخلاته بالقبول، ويلقى فكره الحضوة، ينهي حديثه وقد أضاف جديداً للأعضاء أو طرح فكرة جديرة بالتأمل والدراسة.

إن مخزون أبا صادق الفكري والثقافي مليء بالقصص والمواقف والخبرات التراكمية الثرّة التي اختزنتها ذاكرته الواسعة من خلال تنقله الكبير بين ردهات المسؤولية، ومصالح الوطن العديدة، والتصاقه بخطط ومفاصل التنمية الشاملة ورحلاته الدولية المتكررة، وعلاقاته الإنسانية الواسعة.

إن ما يشد الانتباه في شخصية عبدالله دحلان وفائه لمن حوله، وقد أنعكس ذلك جلياً في مواقفه النبيلة مع رفيق دربه وصديق عمره الشيخ عبدالله بن سعيد ابو ملحة رحمه الله، فصداقتهما أمتدت لأكثر من أربعين عاماً، وقد عايشت شيئاً من تلك العلاقة بينهما، فكانا معاً في اللجان وجيران في المكاتب والمقاعد الشورية، ولا تخلوا المناسبات العامة والخاصة دون حضورهما سوياً، فقد كانا بالفعل صديقا عمر ورفيقا درب، وقد يسر الله لهما الاجتماع والقرب في كثيرٍ من المجالس واللجان والمصالح العامة والخاصة ما عزز من علاقتهما وصداقتهما بشكل مثير.

رحل صديقه ورفيق دربه بعد معاناة من المرض وكان يأمل -كما كنا نأمل- أن يخرج من ذلك المرض بصحة وعافية، وهذا هو شعور مشترك تجاه من نحب، ولكن قدّر الله نافذ لا محالة، رحل أبوعبدالعزيز وتألم الجميع لرحيله ولفقده، ولا غرو أن يكون وقع المصاب أكبر على أبي صادق فقد شق عليه ذلك وتألم كثيراً، ولكن لابد أن تسير عجلة الحياة كما أرداها الله سبحانه وتعالى، فوقف في عزاء صديقه واستقبل المعزين وواسى أهله وأسرته ومحبيه، وكفى بهذه المواقف وفاءً ونبلاً تُقدر وتشكر دون شك، ولكنها غير كافية في قاموس الوفي عبدالله دحلان، فها هو اليوم يضيف لبنة وفاء في بناء تلك الصداقة الراسخة ويضع أمام ناظريه في جامعة الأعمال والتكنولوجيا بجده لبنة تذكره بصديقه المخلص وبتلك الأيام والسنوات التي خفف حدة متاعبها المحبة والتقدير والإيثار بينهما، فعمد إلى تخصيص أحدث قاعة في تلك الجامعة العصرية باسم الفقيد الشيخ “عبدالله بن سعيد أبوملحة” علّها تؤنس ما يجد أبا صادق من وحشة بداخله، وينعش شذاها نفسه المكلومة، ويعيد عبقها تفاصيل تلك الأيام التي أصر عبدالله دحلان على ألا تُنسى وأن يبقى ذكرها شاخصاً أمامه كما هي عالقة في ذهنه وخياله..

هذا هو سنام الوفاء من هذا الرمز العزيز إلى ذلك الراحل الغالي ولأهله ومحبيه، فقد شملت تلك اللفتة الكريمة الجميع.

رحم الله الفقيد رحمة واسعة ووالدينا والمسلمين أجمعين، وشكر الله صنع الصديق الصادق أبا صادق، الذي كان صادقاً في قوله ووفياً بفعله.

عضو مجلس الشورى السابق

زر الذهاب إلى الأعلى