أبرز المواديكتبون

غراس التأسيس وثمار الوحدة

د. أحمد بن سعد آل مفرح

تقوم الدول على مكونات أساسية لمواصلة بقاءها ونموها وتستشرف بها غدها ومستقبلها؛ فالدول تتخذ عقيدة لها وتؤسس عليها لتوحد شعبها وحكامها، فالعقيدة ركن أساس في قيام الدول، كما هي مكون ضروري في مجالات الحياة المتعددة، ولعل من أبرزها العقيدة العسكرية التي يلتف حولها الجند والقادة وتوحد رؤيتهم وغايتهم وتغرس فيهم الولاء لها والذود عنها والتضحية من أجلها.

 

والدول تؤسس على عقيدة تجمع الحاكم والمحكوم والرئيس والمرؤوس، ويحمل العقيدة -أيًا كانت- قادة مؤمنون بها وينشرونها ويلزمون أتباعهم بها، فعقيدة “هتلر” جمعت حوله جيش ألمانيا (فيرماخت) للذود عن حياض ثقافتهم ومجتمعهم وهويتهم واقتصادهم، و “جنكيز خان” جمع حوله بالعقيدة الأقطاب المتنافرة من التتار والسلاجقة والمغول تحت لواء وعقيدة واحدة (الياسك)، ولكن عقيدة هتلر وجنكيز خان وغيرهم من المستبدين بنيت على الظلم والطغيان والاستبداد، وزالت كياناتهم لأن العقيدة كانت على غير فطرة سوية ولم تبنى وفق أهداف سامية، فمن البديهي أن تكون إلى زوال.

 

ذكر المستشرق جيب Gibb أهمية العقيدة الدينية في بناء الدول وتراص الشعوب وتعزيز الولاء والدفاع عن العقيدة ونشرها، وبين أنه من الصعوبة أن يهزم شعباً يذود عن عقيدته أيا كانت، ويقول أن الإسلام كدين ومنهج رباني وعقيدة سماوية أجدر بأن تكون أقوى من أي عقيدة أخرى، لأنها عقيدة ترتبط بالسماء وتستمد شرعيتها من الخالق سبحانه وتعالى وتتجذر في النفوس وتسري في شريان المسلمين، فيصعب هزيمتها أو التغلب عليها ناهيك أن تنزع منهم.

 

ولا غرو أن يكون تأسيس الكيان السعودي منذ ثلاثة عقود عميق الجذور وصافي النبع ومتين الرباط فقد بني على عقيدة الإسلام السمحة وتعاليمه الربانية الواضحة وهدي كتاب الله الكريم ومنهج رسول الله الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، فجمع الله بالإمام محمد بن سعود قلوب من حوله وانطلقت رحلة تأسيس الوطن وشيدت بنيانه على قاعدة صلبة، ورفعوا سويا راية التوحيد لنصرة دين الله والعمل به ونشره وتنقيته من الشوائب الشركية والبدعية، وتم وضع لبنات الدولة السعودية الأولى، وشُكلت حكومة التأسيس وخرجت من أسوار الدرعية إلى فضاء المملكة العربية السعودية الرحب في وحدة لم يشهد العالم الحديث مثلها، واشتد عود الدولة، وفجر الله لها خزائن الأرض، وفتح أمامها أبواب العالم، وتوحدت في بوتقة واحدة، وذاع صيتها في العالم، فكانت ضمن الدول الأول المؤسسة للأمم المتحدة، وهي رائدة التضامن الإسلامي كما هي قِبلة المسلمين، واليوم هي عضو دول العشرين الأكبر اقتصاداً في العالم، وهي ماتزال تنهل من معين عقيدتها الذي لا ينضب، ويقودها إلى العلياء أحفاد الإمام بحكمة وروية وثبات، وقطف ويقطف جيل اليوم ثمار غراس رواد التأسيس اليانعة، وهاهو الوطن على أعتاب واستشراف رؤية تنطلق من الثوابت وتتماهى مع العصر ليستمر العطاء ويشتد البناء ويعم الخير والنماء بفضل الله وعونه.

 

*مدير مكتب رابطة العالم الإسلامي بالنمسا

زر الذهاب إلى الأعلى