يكتبونأبرز المواد

محمد بن سلمان.. التحدي الأكبر!

بقلم: عبدالله ثابت

هذه المقالة/الرسالة موجهة للشباب أولاً، وأرجو أن يقرؤوها بعناية:
قبل خمس سنوات وشهرين، تحديداً في الـ ١٩ من مارس، عام ٢٠١٨ تابع السعوديون والعالم أول مقابلة، يجريها سمو ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، مع قناة أمريكية CBS وعبر برنامجها الشهير «٦٠ دقيقة»، والذي حاورته، في مكتبه، المذيعة «نورا أودونيل». تحدث الأمير عن العديد من الأمور المهمة، ولوقت طويل راحت مختلف المنصات الإعلامية، تفحص عباراته، وتحللها كلمة كلمة، حتى إن المذيعة نفسها عادت لاحقاً، لتتحدث عن كواليس تلك المقابلة، بوصفها حدثاً خاصاً، وبالغ الأهمية!
في الجزء الأخير، من الحوار، سألته «أودونيل» عن التحدي الأكبر أمامه، وبعد خمس سنوات، من تلك الحلقة، لا أنسى أبداً هذه الجملة تحديداً، في إجابته. قال: «أعتقد أن أول وأكبر تحدٍ هو أن يؤمن الناس بما نفعل». كنت أحد الذين لمعت تلك العبارة في أذهانهم، لقد حفظتها من حينها، وبالحرف، وسأشرح تحت، لماذا أخص هذه الكلمات بالذات!
حسناً!
لنرجع سنتين أخريين أيضاً، بالضبط في ٢٥ أبريل ٢٠١٦، حين أعلن الأمير محمد بن سلمان، عن إطلاق رؤية السعودية ٢٠٣٠ بركائزها الثلاث: «مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح»، وسأتحدث عن أمرين، شهدتُهما كغيري، في ذاك العام، أحدهما بعد الإعلان عن الرؤية، وقد كان الرائج في حديث الناس بعموم، وكثير من المثقفين بخاصة، أما الأمر الآخر، فهو شأن عام، حدث قبلها، بشهرين فقط!
الأول: أقول إن الانطباع الأولي، عند إعلان الرؤية، والاطلاع على ركائزها، لدى شريحة واسعة من الناس، على الأقل، بين من صادفت وسمعت، ولدى مثقفين كثر، ممن التقيتهم وقتها، لم يكن بتلك الحماسة، بالرغم من الزخم الإعلامي المكثف والمعتبر حينها، لتعريف المجتمع بها! بل سأكون أكثر صراحة، وأستخدم تعبيراً آخر: أكثرنا لم يصدق! اعتبرناها ضرباً من التمنيات، لا غير، أما بالنسبة لمن كانوا في معمعة الاحتداد والصراعات، لعدة عقود، ومعهم المشتغلون والمتابعون لمختلف شؤوننا الداخلية، فقد كانوا يذهبون في انطباعهم لأبعد من هذا، لليأس والاستحالة! أتذكر – وقد كنت من المتفائلين – أني كنت أقول، في نقاشات مجالس الرفقة: «لو تحقق ١٠٪ مما قيل، فهذه معجزة، وكثّر خيرهم!».
وصدقاً.. لا أراها تلحق بأحد أية ملامة، فجميعنا نعرف ما كنا فيه، وأي انسداد واختناق، ومجهول، كنا مرعوبين من وشوك وقوعه، والمضي الحثيث نحوه، بمختلف الأصعدة، وفي كل القطاعات والمجالات والقضايا، وربما دون استثناء!
كانت عينا الكارثة تومض وتقترب، وخصوصاً أن البلدان من حولنا، ومن كل جانب، لا يكاد يهدأ حريقٌ في بلد، ليلاً، إلا ونستيقظ صباحاً على ألسنة الهياج والدوي واللهب، في بلدٍ آخر، وفي حمأة كل تلك الظروف، بالداخل والخارج، كان الذين يعملون، على مدار الساعة، لتقويض هذا الوطن وناسه، يتقدمون بلا كلل، في ترتيبات الفوضى، وبمعونة بعض القوم في الداخل، كانوا يصفون السعودية علناً، وهي وسط هذه الكماشة بـ «العشاء الأخير»، فمن عساه حينها يثق بشيء، ومن عساه سيراهن أن أميراً شاباً، إلى وقت قريب، لم يكن معظم الناس، يعرفون عنه شيئاً، سيظهر فجأة، رافعاً يمناه برؤية تعد، ليس بالخروج بنا من ذاك الوضع المهول فحسب، بل بتغير كل شيء، ويقول بلغته الواثقة، وطلته المصممة: «لن نضيع ٣٠ سنة أخرى»، سنبدأ العمل!
نعم، أعجبنا ساعتها فوراً، أيقظ أحلامنا، وآمالنا بسرعة، لكن حقيقة الواقع كانت صعبة، صعبة للغاية! وأجزم أن الأمير لن ينزعج، من هذه الصراحة، فهو قطعاً كان يعرف هذا تماماً! وهذا يشرح جانباً، من عبارته، في التحدي: «أن يؤمن الناس بما نفعل».
الأمر الثاني: وكان قد وقع، قبل إعلان الأمير عن الرؤية بشهرين، (وأشير إليه كشاهد اجتماعي، بسيط ومباشر، لأجل المفارقة في قرب حدوثه، كي ترى – عزيزي القارئ الشاب – ما الذي حدث حقاً، وبهذا الوقت المفاجئ والقياسي)، وهو هياج الرأي العام، على مشاركة أربع نساء سعوديات، في أولمبياد ريو دي جانيرو ٢٠١٦، في البرازيل. انقلبت الدنيا عليهن، وعلى أهاليهن، تعرضن للإيذاء والقذف وأقذع السباب! وكان لا بد من الدفاع عنهن، ولو بصوت لا يكاد يُسمع، وسط ذاك الاحتشاد الشتام والمدبر! شخصياً كتبت في «الوطن» حينها، مقالة بعنوان «قفزة ميلر.. وقذف السعوديات»، فخرت فيه، بفتياتنا الأربع، وتحدثت عن التأخر المريع، في مسائل حقوق المرأة، وضرورة وضع القوانين، وهذا كله وسواه يتحمله المسؤولون، أصحاب القرار، قبل أي أحد، ثم ألمحت لشيء، يبدو الآن مضحكاً، وهو كيف تشارك المرأة، أمام العالم، في عدة رياضات، بينما هي لا تملك حتى حق الجلوس في المدرج لدينا! تخيل مجدداً، أن هذا – وهو أصغر وأبسط الأمثلة – كان يحدث، على بعد شهرين فقط، من لحظة تاريخ عظيم وجديد!
ثم بدأ العمل، انطلقت المغامرة.. وفي وقت خاطف، تتوالى القرارات، ويندفع سيل الخطة: مكافحة الفساد تستعيد المال العام، يُحاصر الخطاب المتطرف، ويوقف المشروع الحركي، تُشرّع مئات القوانين، يصان السلم الأهلي، تنال المرأة حقوقها، ينفتح المجتمع، إصلاحات عدلية وحكومية وخدمية واسعة، تمكين القطاع الخاص، مدن ومشاريع، ورشة هنا وهناك، العلا، نيوم، ذا لاين، الدرعية، جدة التاريخية، السودة، وغيرها، انتعاش مذهل في السياحة وأعداد الزوار، استقطاب استثمارات، نقطة جذب، مجموعة العشرين، مؤتمرات اقتصادية كبرى، مهرجانات، سينما، ثقافة، مسرح، نمو في الإيرادات غير النفطية، فائض تاريخي، تقدم في المؤشرات الدولية، دور سياسي، حيوي وفاعل، في المنطقة والعالم.. الخ، أرقام وأرقام، وغير هذا الكثير! ثم لا يكاد يمر يوم، إلا وهناك خبر من الأعالي، في بلد يشعرك بالعز والسعادة، بالمستقبل!
خذ مثلاً: في أقل من عشرة أيام فقط؛ قمة عربية دولية، نادرة ومؤثرة، ومنتخب علوم شاب، يعود بـ٢٧ جائزة، وفتاة وشاب (ريانة البرناوي، علي القرني) يطيران للفضاء! نعم فتاة! أتذكرون فتيات ريو دي جانيرو؟
عزيزي.. هل يبدو لك، وأنت تراجع معي كل هذا، أن هذه التحولات العظمى، لا بد وأنها قد استغرقت سبعين دهراً، كي تحدث؟ أبداً!، إنها سبع سنوات فقط!

أخيراً..
الله لو يعرف هذا الجيل حقاً، حظهم الوافر، وأي لحظة تاريخية يعيشون فرصتها!
ولو يعرفون أن أحلام من قبلهم كان أكثرها في بوابات المغادرة بالمطارات، بينما العالم كله الآن على بوابات القدوم!

ملحوظة للتاريخ:
هكذا تُكسب التحديات الكبيرة. احفظ العبارة بالأعلى.. وكل الدعاء بالحفظ والتأييد، وقدماً للمزيد المزيد! آمين!

*كاتب سعودي
نقلاً عن: alyamamahonline.com

زر الذهاب إلى الأعلى