يكتبونأبرز المواد

محمد بن سلمان.. عبدالعزيز زمانه

بقلم: فيصل بن بندر الدويش

لاشك بأن التاريخ من العلوم الاجتماعية التي تهتم بدراسة ماضي البشر فمن يجيد قراءة التاريخ يحسن قراءة المستقبل، فقد من الله علينا كسعوديون بدولة يمتد تاريخها لثلاثة قرون، ومن هذا الإرث التاريخي المعاصر نستمد هويتنا وثقافتنا وتقاليدنا التي تكفل لنا تماسك مجتمعنا في إطار الهوية الإسلامية وفلك الشريعة السمحة.

إن ما جرى في “قمة جدة الأمن والتنمية” جعلنا كسعوديين نستذكر شخصية والدنا المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله أعظم رجال القرن العشرين وأحداث وظروف “معاهدة جدة في 20 مايو 1927م”، وكيف استطاع بحنكته ودبلوماسية وبعد الحرب العالمية الأولى مواجهة أقوى الدول العضمى بريطانيا في ذلك الوقت وأخذ الاعتراف بسلطانة بعد ضم الحجاز، وكيف واجه الكساد العالمي والفقر والذي عم البلاد والبحث عن موارد دخل للدولة بعد إعلان قيامها كدولة مستقلة ذات سيادة في 23 سيبتمبر 1932م، دستورها القران الكريم والسنة النبوية؛ وكيف واجة الحرب العالمية الثانية في عام 1939م وتجنيب بلادة الحرب رغم الضغوطات السياسية من الحلفاء للانضمام للحرب من خلال إعلان الحرب على ألمانيا ودول المحور؛ حيث قال الدكتور لزلي مكلوكلن “كان الملك واعياً تماماً لإمكانية اتساع رقعة الحرب، لذلك كان أمام أصعب قرار في حياته السياسية، من ناحية اختيار الحياد أو الانضمام إلى طرف من الأطراف”.
وبتوفيق من الله عز وجل ثم حكمة الملك عبدالعزيز بأنه رأى أن مصلحة بلادة إتخاذ موقف الحياد فاختار الحياد ومراقبة المشهد الدولي، مما جعل اللورد البريطاني موين يقول معجباً بشخصيته “تحرك عبدالعزيز وطنية صادقة، وولاء لوطنه، وتقديس عميق مؤصل لدينه، ورغبة أكيدة لا يخامرها شكٍّ أبداً في العمل على خدمة مواطنيه والوصول بهم إلى السلم والأمن”.

وكيف أعجب الإعلام الغربي بعد فرض الملك عبدالعزيز دولته الفتية على الكيان العالمي مما جعل مجلة (لايف life) الأمريكية تجري مقابلة معه في 31 مايو 1943م، تحدثت عن شخصيتة السياسية وإدارته للدولة وعلاقته مع شعبه تحت عنوان “ابن سعود ملك صنع مملكة”، وكما قال موريس جورنو “أن الاستقرار والأمن الذي أنجزه الملك عبدالعزيز جعل الجزيرة العربية البلد الأكثر أماناً في العالم”.

وبعد ذلك كيف أخذت المملكة العربية السعودية تحتل أهمية استراتيجية في السياسة الخارجية الأميركية وكيف سعى الأمريكان لتعزيز الصداقة مع الملك عبدالعزيز لكسبه حليف استراتيجياً قوي في المستقبل، وفي لقاءه الشهير مع الرئيس الأمريكي روزفلت قال الملك “أن بلاده لم تقع تحت الاحتلال أو الانتداب وأنه يريد أن يبقى مستقلاً” وأن يكون هناك اتفاق استراتيجي مع أمريكا يقوم على الصداقة والاحترام، وكيف أعجب الرئيس روزفلت به وكل من قابل الملك عبدالعزيز أعجب بشخصية وقال اللورد موران “ابن سعود ملكاً عندما كانوا الملوك ملوكاً لقد قاد معارك عده وخرج منها منتصراً وهو سيد العالم العربي ولم يهاب زائره الإنجليزي الذي يعلم أنه متعاطفاً مع الصهيونية.

لم يتخلى الملك عبدالعزيز عن مبادئه ولم ينسلخ عن هويته الإسلامية والعربية ليرضي الغرب رغم كل الظروف الاقتصادية والسياسية والحروب العالمية والتغيرات الاجتماعية والثقافية في البلاد المجاورة له بل كان يستمد قوته من اعتزازه بهويته ويتجسد ذلك في أقواله طيب الله ثراه منها؛ ومنها:
“أما نحن فلا عز لنا إلا بالإسلام، ولا سلاح لنا إلا التمسك به، وإذا حافظنا عليه حافظنا على عزنا، وهو سلاحنا، وإذا أضعناه ضيعنا أنفسنا، وبؤنا بغضب من الله”.

وبعد تسعين عاماً يجدد لنا حفيده ولى عهد المملكة العربية السعودية سيرته ومواقفه وصلابته وكأن التاريخ يعيد لنا أحداثه في “قمة جدة الأمن والتنمية” التي تأتي في ظل تحديات إقليمية وعالمية كالحرب الروسيه الأوكرانية والتحالفات الأوربية وسلاسل الإمداد والتكهنات والتخبطات الأمريكية والتدخلات الإيرانية بالمنطقة والغلا العالمي حيث سبق انعقادها جولات مكوكية وإتصالات وتنسيق من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظه الله مع حكام الخليج والقادة العرب المؤثرين بالمنطقة لتعيد الأمور إلى نصابها وتعيد ترتيب أوراق الملفات الحيوية وتذكير الحزب الديموقراطي الأمريكي الحاكم الحالي بأهمية ومكانة المملكة العربية السعودية التي ترفض فرض القيم عليها بالقوة؛ وقد قال سموه حفظه الله كلمته المشهورة “إننا نفخر بقيمنا النبيلة ولن نتخلى عنها“ وأن بين المملكة والولايات المتحدة الأميركية معاهدات تاريخية وعلاقات استراتيجية قديمة مما جعل الرئيس بايدن يقول “أخطأنا بالابتعاد عن الشرق الأوسط ولدينا فرصة للتصحيح“ وأن ولي العهد يمثل السعودية، والسعودية تمثل الشرق الأوسط، والشرق الأوسط يمثل الاستقرار العالمي. وكما أمسى جده الملك المؤسس طيب الله ثراه حدث الإعلام الغربي في أربعينات القرن العشرين فقد أصبح حفيده سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حديث العالم بأسره.

وختاماً.. شكراً سيدي بأن جعلت رؤسنا تعانق السحاب فخراً واعتزازاً بقيمنا وعاداتنا وهويتنا وسعوديتنا الجديدة حفظك الله ورعاك..

زر الذهاب إلى الأعلى