أبرز المواديكتبون

هل العالم على شفا حرب كونية؟

علي المطوع

يحبس العالم هذه الأيام أنفاسه على وقع طبول الحرب التي تدق في شرقي أوروبا وتحديدا على مشارف الحدود الأوكرانية الروسية، الآلة الإعلامية الأمريكية تفترض مواجهة قادمة في تلك المنطقة وتدفع بعديد من السيناريوهات العسكرية القادمة، والتي تصب في خانة المؤكد، أن روسيا ستجتاح أوكرانيا!

أكثر من توقيت في هذا الشهر رأته أمريكا موعدا لهذا الغزو ولكن الدب الروسي ما زال حتى الآن له رأي آخر، وكأن الأمريكيين يراهنون على هذا الغزو ويترقبونه للحصول على مكاسب سياسية وعسكرية تعيد لأمريكا شيئا من حضورها القوي زمن الحرب الباردة.

التاريخ يعيد نفسه، ففي عام 1962 وفي أحد صباحات شهر أكتوبر أعلنت أمريكا أن الاتحاد السوفيتي بصدد بناء قواعد سرية لصواريخ نووية متوسطة المدى تنطلق من كوبا وتستطيع النيل من العمق الأمريكي بكل سهولة ويسر، ساسة العالم وقفوا على أطراف أصابعهم ينتظرون مواجهة نووية قاسية تدمر العالم وتعيده إلى عصوره البدائية السابقة، كينيدي الرئيس الأمريكي في ذلك الحين توعد الروس وكوبا برد عنيف وقاس إن لم تزل تلك الأسلحة، وتصاعدت حدة التوتر بين المعسكرين وانتهى الأمر بسحب تلك الصواريخ وإعادتها إلى قواعدها الأصلية في بلد منشأها، وكان ذلك نتيجة اتفاق سوفيتي أمريكي اقتضى إجراء أمريكيا مماثلا، سحبت الأخيرة بموجبه بعض عتادها النووي من تركيا وإيطاليا والذي كان مصوبا تجاه العمق السوفيتي في ذلك الحين.

روسيا اليوم تعاني وتتخوف من تمدد رقعة الناتو، والتي قد تصل إلى أوكرانيا، البلد الذي وطدت فيه أمريكا والغرب حضورهم من خلال حكومة تدور في الفلك الغربي وتعادي جارتها الأقرب روسيا، إضافة إلى أن الغرب كان وما زال يواصل دعمه لهذه الدولة الصغيرة نسبيا قياسا بجارتها الأم والأكبر روسيا، هذا الدعم تمثل في أسلحة أمريكية نوعية، كصواريخ ستينجر التي تحمل على الكتف والتي ما زالت الذاكرة العسكرية الروسية تحتفظ بصور مؤلمة لفاعلية تلك الصواريخ، وقدرتها العالية على تعطيل الطيران الحربي الروسي في حربه القديمة في أفغانستان، ربما أرادت الإدارة الأمريكية ومن خلال تلك الصواريخ تذكير الروس بفاعلية وقدرة الأسلحة الغربية البسيطة على إلحاق الأذى بالترسانة العسكرية الروسية وأهمها طائراتها الحربية بأنواعها المختلفة.

ويبقى السؤال هل سيفعلها بوتين؟ المنطق يقول لا، لأن روسيا فعليا لن تستطيع مستقبلا تحمل تبعات هذه المغامرة، ومن الوارد أيضا أن أوكرانيا ستستطيع إلحاق خسائر نوعية وجسيمة بالقوات الروسية (الغازية)، إضافة إلى أن الموقف الروسي سياسيا واقتصاديا سيصبح ضعيفا كونه سيكون عرضة لأشكال عديدة من العقوبات الاقتصادية الصارمة والتي ستعيد روسيا إلى مربعات قديمة من العوز الاقتصادي الذي إن تكرر وعاد فسيكون له انعكاسات اجتماعية واقتصادية سلبية على الداخل الروسي.

الحرب وسيلة من وسائل السياسي التي يصل من خلالها إلى مراده، وبوتين كسياسي محنك يبحث عن صفقة سياسية مع الغرب مستنيرا بأسلافه وطريقة تعاملهم مع أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962، فقد حصلت روسيا في ذلك الوقت ومن خلال تلك الأزمة، على شيء مما كانت تريده، واليوم يسير بوتين على ذات الخطى معتمدا على أوراق كثيرة بحوزته لعل أهمها قوته العسكرية النووية، وضعف أمريكا، وتجربته الناجحة في سوريا والغاز الذي يزود به الغرب، والذي يعد شريان حياة لأوروبا وخاصة في فصل الشتاء، وهو الأمر الذي يفسر لنا أو يجعلنا على الأقل نتساءل، لماذا اختار بوتين -تحديدا- فصل الشتاء القارس توقيتا فارقا ومحددا للتصعيد بين روسيا والصقيع مع جهة والعالم المنهك المنحاز للدفء من جهة أخرى؟!

نقلا عن : صحيفة مكة

زر الذهاب إلى الأعلى