محليات

3 طالبات جامعيات يسجّلن في مسابقة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني

تمكنت ثلاث طالبات جامعيات من تحقيق مراكز متقدمة ضمن 20 متسابقًا ناولوا الأولوية في مسابقة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني، التي أعلنت نتائجها، ووزعت جوائزها في ملتقى التراث العمراني الوطني الرابع الذي أقيم مؤخراً، في مدينة أبها بمنطقة عسير، وتقدم لها أكثر من 700 مشارك على مستوى المملكة والخليج العربي، رشح منهم 27 متسابقاً للأدوار النهائية من المسابقة .
وشاركت الطالبات الثلاث في المسابقة بمشروعات تخرجهن البحثية، المتمثلة في تصاميم داخلية عمرانية، ضمن تخصصهن الجامعي في هندسة التصميم الداخلي، إذ فضلن أن تكون المشروعات ذات صبغة تراثية .
وأكدن في حديث لوكالة الأنباء السعودية أن مشاركتهن في المسابقة لم تكن ضمن مخططاتهن منذ البداية، إلا أن الإعلان الذي وزّع على الجامعات, من قبل مؤسسة (تراث) التابعة للهيئة العامة للسياحة والآثار، جعلهن يقررن المشاركة، لاسيما وأن مشروعاتهن البحثية كانت مستلهمةً من التراث الوطني الأصيل، الذي اتفقن على تبنّيه، مبيناتٍ أن الطراز العصري كما يحلو للبعض تسميته، بدأ بالسيطرة على معظم التصاميم العمرانية في المجتمع، سواءً كانت هذه التصاميم داخلية أو خارجية، على حد وصفهن.
وبينّ أنهن استشعرن مسؤوليتهن تجاه هذا التراث الذي يمثلهن ويمثل كل فرد في هذا المجتمع، انطلاقًا من كونهن مهندسات سعوديات قادمات لقطاع الهندسة العمرانية – بعد توفيق الله -، الأمر الذي يستلزم البدء بمعايشته، وجعله جزءً لا يتجزأ من حياة المجتمع .
وبدأت الطالبة نجود بنت محمد العنبري, بالحديث عن مشروعها الذي أسمته “مركز عيافة الإنساني”، نسبةً إلى الفراسة العربية واقتفاء الأثر، التي عرفت قديماً بالعيافة، وتجسد فيه نموذجاً لقرية صغيرة داخل حي السفارات بالعاصمة الرياض، تتميز بمحاكاتها لحركة الطواف، وبصداقتها للبيئة، وبمظهرها التراثي، الذي يتجلّى في جميع مرافق القرية، مبينةً أنها حرصت على أن يخاطب التصميم العقل والجسد، ويسهم في توفير أجواء إيمانية، تمكّن قاطني القرية من ممارسة العبادات بطريقة تضمن استشعارها قبل أدائها، بما يدفع المجتمع ذاتياً للمحافظة على تلك العبادات.
وحول تلبية التصميم لحاجة العقل, أفادت بأن المشروع سيسهم في تنمية الحس التصويري لدى سكان هذه القرية، بتوفير مرافق تحفز على ذلك، مثل المرسم والمكتبة والمدرسة وغيرها من المرافق التي تحاكي العقل، موضحًة أن طبيعة التصميم ستمكّن مرتادي السوق الشعبي وبعض المرافق الأخرى بالقرية من ممارسة الرياضة .
وأشارت الطالبة العنبري, إلى أنها هدفت من خلال تصميمها الهندسي لاستقطاب العناصر الوطنية، كالأسر المنتجة التي خصصت لها جانبًا كبيرًا وفاعلاً في قريتها الصغيرة، لتتولى هذه الأسر إنتاج الغذاء واللباس، مستفيدين من تدوير المواد التالفة أو التي سبق استخدامها .
كما تضمنت أهداف مشروعها تحفيز الأصالة والتراث لدى الأطفال، الذين سيتعايشون معه داخل ذلك المشروع الحُلم، والانصهار فيه، إلى جانب الحياة بطريقة تجعل من التراث سببًا رئيسًا في تعزيز الروحانية وعلاقة الإنسان بعباداته ودينه الإسلامي الحنيف.
من جانبها انطلقت الطالبة رزان بنت بدر الفقير, في تصميمها لمشروعها البحثي “منتجع دادان الصحراوي” من انتماءها لمحافظة العلا، التي عاش فيها أجدادها حياتهم، وتحديداً في مدائن صالح، لاسيما بعد أن لاحظت أن تزايد عدد الزوار الذين يتوافدون إليها بكثرة طوال العام، لذا ارتأت أن تقدم مشروعاً سياحياً متكاملاً، من شأنه تحقيق التوازن بين أعداد السياح الكبيرة وأهمية المنطقة تاريخياً، وتوفير مرافق متكاملة تضمن قضاء أوقات ممتعة ومفيدة لهؤلاء السياح.
وأفادت أنها فضّلت في بداية الأمر التوجّه إلى الهيئة العامة للسياحة والآثار، للبحث عن مخططات أو مواقع في مدائن صالح، تعتزم الهيئة إقامة مشروعات بها مستقبلاً، مثمنةً تجاوب الهيئة وتعاونها الذي وفّر لها فرصة ذهبية للبدء في تصميم منتجع سياحي واعد، سيكون أنموذجاً متى ما وجد من يتبناه في المستقبل, ومشيرًة إلى أنها حصلت من الهيئة على موقع جيد احتوى على جبل يعرف باسم (جبل عُكمة)، أحد الجبال الشهيرة بالنقوش والرسوم التي تعود لعصور قديمة، بجانب ممر أثري يعود لنفس الأزمنة، ويحظى بنقوش ورسوم تؤكد قدمه أيضاً.
وبيّنت أنها استوحت تصميمها من ثلاث ثقافات مرت على المنطقة، وقامت بدمجها بطريقة هندسية تضمن توثيقها، وتصنع منها تحفة معمارية فنية، كما أنها استفادت من الرسوم والنقوش الأثرية التي عرفت بها الثقافة الديدانية، واستخدمت مواد البناء من الثقافة العثمانية التي تنتشر بقايا قلاعها في المحافظة، وبلورت ذلك بعد جمعه بطريقة هندسية من الإرث السعودي النجدي، مشكّلةً بذلك مزيجاً يجعل للتصميم ميزة جديدة .
وقسّمت الطالبة رزان الموقع لعددٍ من المرافق، شملت مسجداً، وفندقاً يراعي العادات والتقاليد في تصميمه، وسوقاً شعبياً، ومسرحاً، ومركزاً صحياً، وداخل الجبل سيكون المقهى والمطعم اللذان سيمكنان السائح من الاستمتاع بإطلالة فريدة على مزارع محافظة العلا، مشيرةً إلى أن جميع هذه المرافق ستتميز بتصاميم، تضمن لها منافسة بعضها البعض، من حيث الشكل والمضمون، ومن خلال الأثاث والنقوش ومواد البناء المستخدمة بطرق مختلفة في جميع تلك المباني.
وفكّرت الطالبة مها شليان الغانمي, بذات الطريقة التي فكّرت فيها زميلتها رزان الفقير، حيث فضلت الذهاب بتصميمها ليحاكي تراث منطقة الحجاز، بوصفها مسقط رأس إباءها وأجدادها، وتحديداً منطقة المدينة المنورة.
ونوّهت بتعاون الهيئة العامة للسياحة والآثار، الذين زودوها بموقع في محافظة رابغ، بجانب جامعة الملك عبد الله، التي تبعد عن مكة المكرمة ومحافظة جدة مسافة تستغرق ساعة ونصف، ومن المدينة المنورة ما يقارب ساعتين من الزمن.
وزادت مها عن زميلاتها برؤيتها توظيف هوايتها وعشقها للخط العربي في تصميمها، ليكون له نصيبٌ كبير من فكرتها، لأنها تعتقد أن الاهتمام به بدأ بالتراجع، وعدّته جزءًا مهمًا من التراث العربي والإسلامي، وركيزة أساسية يجب ألا تغيب عن الذاكرة، لذا قررت أن يكون مشروعها ذو شقين، أحدهما متحفاً إسلامياً أثرياً، والآخر أكاديميةً للخط العربي، بحيث يدمجان ليجتمعان في تصميمٍ واحد يتسم بالتفاعلية، أسمته “مركز سدرة”.
واستوحت الغانمي فكرتها من رحلة الإسراء والمعراج التي خص بها الله سبحانه وتعالى خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم، واختارت أسلوب الطواف ببيت الله العتيق في مجمل التصميم، بحيث تبدأ رحلة الزائر بذلك الأسلوب، بشكلٍ مخروطي، صعوداً للأعلى، يمر خلالها بعددٍ من القاعات، التي استخدمت فيها تأثيرات الإضاءة، والزجاج، والمرايا، إلى أن يصل الزائر لقاعات خصصت لتعليم الخط العربي بأعلى المتحف.
وراعت أن يعيش الزائر خلال جولته التراث الحجازي الذي استخدمته في الأثاث، إلى جانب الخط العربي في بعض التفاصيل والأسقف والأعمدة واللوحات الإرشادية، لافتةً النظر إلى أن مرافق المتحف، تشمل مكتبةً ومطعمًا ومقهىً، وأكاديمية لتعليم الخط العربي.
وعن التراث العمراني, أبانت أستاذة هندسة التصميم الداخلي عضو الجمعية السعودية للمحافظة على التراث الدكتورة هيفاء الحبابي, أن الاهتمام بالتراث العمراني يأتي من استشعار مؤسسات المجتمع ذات العلاقة بالتراث بارتباط الإرث العمراني الوثيق بالهوية والثقافة، مؤكدةً أهمية المواقع التراثية، التي تثبت هذه الهوية.
ورأت أن العمارة مرتبطة بشكلٍ مباشر بالحياة الاجتماعية، لأنها تختزل الحضارة، ولم تخف تفاؤلها بمستقبل التراث العمراني الذي توليه الهيئة العامة للسياحة والآثار اهتماماً كبيراً، كاشفةً عن جهود حثيثة للهيئة من شأنها ضم مواقع كثيرة في المملكة لقائمة اليونسكو للتراث العالمي.
ونوهت الحبابي بمشروع الملك عبد الله للعناية بالتراث الحضاري، الذي جاء ليؤكد اهتمام الدولة – رعاها الله – بالتراث، وتوجهها لإتاحة الاستثمار فيه، بما يضمن توثيقه وحفظه بمختلف الوسائل.
وأشارت إلى أن العمارة في هذا الوقت لم تستفد من إرثنا الغني والمتنوع، بتنوع ثقافات البلاد العمرانية شرقاً وغرباً ووسطاً وجنوباً وشمالاً, رافضةً إلقاء اللوم على جهةٍ معينة، وفضلت إرجاع أسباب إهمال المجتمع للتراث العمراني لنقص الوعي العام، الذي قابله استيراد ثقافات خارجية في هذا الشأن، أسهمت في تلاشي هذا الجانب من التراث من حياتنا .
وعن شغف الطالبات نجود ورزان ومها بالتراث، واختيار مشاريعهن البحثية لمحاكاته، وحصولهن بالمقابل على مراكز جيدة في مسابقة الأمير سلطان بن سلمان للتراث العمراني، أوضحت الحبابي أن حصولهن على مراكز متقدمة بين خبراء وفرق هندسية, دليل ملموس لنجاح مساعيهن.
وتمنّت مواصلتهن بهذا الأسلوب، لاسيما وأن مجال التراث العمراني خصب وملهم، داعيةً الطلاب والطالبات في جميع الجامعات السعودية عامة، وطلاب كليات وأقسام الهندسة المعمارية على وجه التحديد، للاهتمام بذلك المجال الذي متى ما وجد الاهتمام، فإنه بعون الله سيعود على قطاع العمران وعلى الطلاب والطالبات بالفائدة الكبيرة.
وأعربت الدكتورة الحبابي عن شكرها وتقديرها لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان الرئيس العام للهيئة العامة للسياحة والآثار, الذي أولى جلّ اهتمامه بهذا الشأن، وبذل في سبيله الكثير من الجهود التي ستعود على الوطن والثقافة الوطنية بالخير في المستقبل بعون الله تعالى .

زر الذهاب إلى الأعلى