أبرز الموادالاقتصاد

670 مليار ريال سوق أدوات الدخل الثابت في السعودية .. 19 % للشركات والمؤسسات المالية

المناطق-الرياض

يترقب مستثمرو الدخل الثابت غدا مزاد الصكوك الشهري للحكومة السعودية، الذي يأتي وسط تداول عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشرة أعوام دون 3.80 في المائة خلال أوائل حزيران (يونيو)، بعد أن كان يتداول فوق 4 في المائة أوائل آذار (مارس). وتحتفظ جهة الإصدار السيادية السعودية بخيار الطرح من عدمه.

وأصبحت أسواق الدخل الثابتة -المقومة بالريال السعودي- أضخم سوق للإصدارات المقومة بالعملة المحلية في الخليج، وذلك مع بلوغ حجم السوق 670 مليار ريال سعودي، وفق بيانات كل من منصة بلومبيرج وبنك أبوظبي الأول.

وأظهرت البيانات استحواذ الشركات والمؤسسات المالية على حصة سوقية تلامس 19 في المائة، وذلك بقيمة تصل إلى 127 مليار ريال من السندات والصكوك القائمة.

بذلك تصبح أسواق الدين السعودية، بعد أقل من ستة أعوام من انطلاقتها الفعلية، ثاني أكبر سوق مالية بعد أسواق الأسهم في المملكة.

وكشف رصد لـ”الاقتصادية”، أن منطقة الخليج لا تزال تدفع علاوة سعرية أعلى على إصداراتها الدولية من السندات، مقارنة بـنظرائها الآسيويين الذين يتشاركون معها في درجة التصنيف الائتماني نفسها. غير أن هناك حالات نادرة لبنوك خليجية، تشاهد لأول مرة، تمكنت من تحقيق المعادلة الصعبة عبر ضغط الهوامش الائتمانية من أجل الحصول على التسعير العادل، وذلك بفضل الخبرات المتراكمة لدى بعضهم في مثل هذه الإصدارات.

معلوم أن تقدير تسعير السندات يتم بناء على درجة التصنيف الائتماني، حيث إنه كلما ارتفع التصنيف، تقل المدفوعات الدورية للمستثمرين.

وبشكل عام، فإن ظاهرة دفع منطقة الخليج علاوة سعرية، مستمرة من 2016 ولم تصحح بالكامل بعد، حيث إن هناك عدد قليل من الجهات الخليجية المتمرسة نجحت في الحصول على التسعير العادل على سنداتها المتوازي مع قوة تصنيفها الائتماني.

تأتي الفوارق في صناعة القرار الصحيح بالتسعير -لدى الشركات الخليجية- من وجود مصرفيين متخصصين في أسواق الدخل الثابت من أجل قيادة دفة المفاوضات مع المستثمرين والبنوك.

وأظهر رصد وحدة التقارير في صحيفة الاقتصادية، أن الجهات الخليجية ذات التصنيف الاستثماري (+A) تدفع 3.68 في المائة كدفعات دورية سنوية للمستثمرين مقابل 3.42 في المائة للمصدرين الآسيويين الحاصلين على تصنيف أدنى بدرجتين من الخليجيين (-A).

وأسهمت الإصدارات، التي تمت في زمن الفائدة المرتفعة، في رفع متوسط الدفعات الدورية السنوية الخاصة بمؤشر بلومبيرج للسندات الدولارية للجهات السيادية الخليجية، ذات التصنيف الاستثماري “A”، في أن يبلغ 4.24 في المائة بنهاية 2022.

يذكر أن ظاهرة التسعير السخي كانت مقبولة خلال المرحلة الأولى لتوجه شركات المنطقة الخليجية لأسواق الدين في 2016، غير أن عدم تصحيحها يقود إلى تحميل جهات الإصدار مدفوعات فوائد (إضافية) تتزامن مع مرحلة الفائدة المرتفعة.

وفي الإطار ذاته، أشارت “موديز” في تقرير لها إلى أن سبب تضاعف أحجام إصدارات الشركات الخليجية (من الصكوك) هذه الفترة يعود إلى الشركات التي أجلت إصداراتها العام الماضي، نظرا لتقلب سوق رأس المال، والشركات التي تسعى لإعادة تمويل آجال استحقاق الصكوك على المدى القريب، ومصدري الصكوك المصنفين لأول مرة الذين يتطلعون إلى تنويع مصادر التمويل.

علاوة طرح إصدار

تعني “علاوة طرح إصدار جديد” (new issue premium) بين مصرفي أدوات الدخل الثابت أن جهة الإصدار في الأوقات الطبيعية ينتظر منها أن تدفع علاوة إصدار فوق القيمة العادلة ما بين 5 إلى 15 نقطة أساس وفي بعض الحالات يتم الإصدار دون علاوة أو يتم تسعير الإصدار داخل القيمة العادلة لمنحنى العائد الخاص بجهة الإصدار. إلا أنه وبعد أزمة “كوفيد – 19 المالية”، أصبحت جهات الإصدار تدفع علاوة سعرية غير طبيعية وباهضة من أجل الاستدانة بهذه الأوقات العصيبة، ولا سيما خلال الأشهر الأولى من بداية الجائحة، وذلك قبل أن تعود الأوضاع إلى طبيعتها.

وتترجم نقاط الأساس تلك إلى عشرات أو مئات الملايين من الدولارات “وفقا لإجمالي حجم كل إصدار” التي تدفعها جهات الإصدار على شكل أرباح دورية للمستثمرين. وعليه فكلما انخفض المستوى التسعيري لمنحنى العائد لجهة الإصدار كان ذلك أفضل من حيث إحداث توفير بتكلفة التمويل.

تقليص فروق الأسعار

هناك تصور خاطئ للعلاوة السعرية على مخاطر الديون الخليجية. وسوء التقييم هذا جاء بسبب دخول مستثمرين أجانب جدد نحو المنطقة. والانضمام لمؤشرات السندات الدولية كان من المفترض نظريا أن يسهم في تحديد القيمة العادلة للديون الخليجية، ولوحظ أن التصنيف الائتماني لبولندا أقل من السعودية بدرجة واحدة، ومع هذا فديون الدولة الأوروبية تتداول بأقل من مستويات هوامش الائتمان للمملكة وذلك بنحو 45 نقطة أساس خلال عام 2021.

إلا أن هذه الفجوة السعرية قد تتقلص أكثر لمصلحة السعودية، ومع هذا فمن المرجح ألا تنغلق بشكل كامل. يقول بنك ميريل لينش في تقرير له: إن التدفقات المتوقعة على الديون السعودية من شأنها أن “تضغط أكثر على فروق الأسعار إلا أنه من غير المرجح أن تغلق تلك الهوامش الائتمانية بالكامل”.

يذكر أن من آليات التسعير، أنه كلما ارتفع التصنيف الائتماني لجهة الإصدار، انخفضت التكلفة والعكس صحيح. إلا أنه وعندما تتم مقارنة «العائد حتى تاريخ الاستحقاق» للإصدارات السيادية الخليجية ونظيرتها من دول الأسواق الناشئة التي تتشارك معها في درجة التصنيف الائتماني نفسها أو تكون قريبة من درجات التصنيف الائتمانية الخاصة بالخليج، يتضح أن العائد على تلك السندات لا يتماشى مع التصنيف، بدليل أن هناك دولا تصنيفها الائتماني أقل من المنطقة الخليجية (مثل ماليزيا وبولندا) ومع هذا تحصل تلك الدول على تسعير منخفض مقارنة بـما تدفعه الدول الخليجية للمستثمرين.

ويبرر بعض المستثمرين ذلك إلى العلاوة السعرية التي تجتذبها تلك الإصدارات بسبب المخاطر الجيوسياسية في المنطقة، إضافة إلى ما يمكن وصفه بعدم التوفيق التسعيري (من جهة الإصدار) الذي بدأ منذ إصدارات 2016.

وجاء انضمام الديون السيادية للمنطقة الخليجية في 2019 “لمؤشرات سندات جي بي مورجان الخاصة في الأسواق الناشئة” ليكون بمنزلة الخطوة الأولى التصحيحية لمعالجة التباين التسعيري مع دول الأسواق الناشئة. إلا أن فجوة الهامش الائتماني (الخاصة بالجانب التسعيري) لم تغلق بالكامل بين دول المنطقة والدول الأخرى من منظومة الأسواق الناشئة.

ومع هذا فقد تقلص الهامش الائتماني مقارنة بما كان عليه قبل خمسة أعوام، وذلك بفعل التدفقات التدريجية (التابعة لصناديق المؤشرات) التي تمت من المحافظ العالمية منذ 2019.

وكان اللافت من خلال رصد “الاقتصادية” أن الآجال المتوسطة إلى القصيرة الأجل “للسندات والصكوك الخمسية والسبعية” الصادرة من الحكومة السعودية، قد سجلت المقدار الأكبر في الانخفاض من حيث التكلفة.

ويعود سبب ذلك إلى كون تلك الإصدارات تبقى على إطفاء أجلها ما بين عام إلى ثلاث أعوام، وهي بذلك تصبح مغرية بعائدها الحالي، وذلك من وجهة نظر المستثمرين الذين يبحثون عن ذلك النوع من الآجال، حيث هناك فئة من شركات إدارة الأصول من تضمن في استراتيجيتها الاستثمارية أن تستهدف الإصدارات المتوسطة الأجل، ثم بعد مرور بضعة أعوام تتحول لتصبح قصيرة الأجل.

استراتيجية إدارة الالتزامات التمويلية

وفق بيانات المركز الوطني لإدارة الدين، يحل في عام 2023 استحقاق لديون تقارب 108 مليارات ريال من الديون المحلية والدولية، حيث نجحت السعودية مـن إتمام عمليتي شـراء مبكر محلية ودولية في عام 2022 لسداد جزء من مستحقات أصل الديـن في عـام 2023، بقيمـة تجاوزت 15 مليـار ريال وإصدار صكوك محلية وسندات دولية مقابلهـا، مـا أدى إلى انخفاض إجمالي مسـتحقات أصل الدين لعام 2023 إلى ما يقارب 93 مليار ريال.

كما قامت السعودية خلال عام 2022 بعمليات تمويلية استباقية بما يقارب 48 مليار ريال، وذلك لتأمين وخفض جزء من الاحتياجات التمويلية لعام 2023، واغتنام الفرص لإدارة مخاطر ارتفاع أسعار الفائدة ومخاطـر إعادة التمويـل.

من المتوقع أن تشكل الاحتياجات التمويليـة المتبقية لعام 2023 ما يقارب 45 مليار ريال، نظرا لخفض جزء من إجمالي الاحتياجات التمويلية لعام 2023 عبر عمليات تمويلية استباقية تمت خلال عام 2022 بما يقارب 48 مليار ريال.

وعلى الرغم من توقعات تحقيق فوائض في الميزانية خلال عام 2023، إلا أن المملكـة تهـدف إلى الاستمرار فـي عمليـات التمويل المحليـة والدولية بهـدف سداد أصل الدين المستحق خلال 2023 وعلى المدى المتوسـط، واغتنام الفرص المتاحـة حسـب أوضاع السـوق لتنفيـذ عمليـات تمويلية إضافية بشكل استباقي لسداد مستحقات أصل الدين للأعوام المقبلـة، وتمويـل بعـض المشـاريع الاستراتيجية، إضافة إلى استغلال فـرص الأسواق لتنفيـذ عمليـات التمويـل الحكومـي البديـل التي من شأنها تعزيز النمو الاقتصادي مثل تمويـل المشاريع الرأسـمالية والبنية التحتية.

ومع الإصدار الشهري لشباط (فبراير) 2023، أعلن المركز الوطني لإدارة الدين إكماله تمويل احتياجات إعادة تمويل أصل الدين المستحق لعام 2023، والاستمرار -وفقا لخطة الاقتراض السنوية المعتمدة- بالنظر في إمكانية الدخـول في عمليـات تمويلية إضافية بشكل استباقي وحسب أوضاع السوق عبر القنوات التمويلية المتاحة سواء محليا أو دوليا من خلال أسواق الدين والتمويل الحكومي البديل، وذلك لتعزيز وجود المملكة في أسواق الدين وإدارة مستحقات أصل الدين للأعوام المقبلة، إضافة إلى تمويـل المشـاريع الرأسـمالية والبنيـة التحتية التي من شأنها الإسهام في تعزيـز النمـو الاقتصادي مع الأخذ في الحسبان حركة الأسواق وإدارة المخاطر في محفظة الدين الحكومي.

التشوهات التسعيرية

توقفت مسيرة تصحيح التشوهات التسعيرية التي لا تتوافق مع معايير الجدارة الائتمانية بين دول المنطقة ونظيراتها من الأسواق الناشئة مع إصدار الخمسة مليارات دولار القادمة من السعودية في 2020، الذي تم فيه انتهاج سياسة متشددة مكنت من تصحيح “تشوه” منحنى العائد، الذي ظهر في 2018، حيث تم انتهاج سياسة تسعيرية حاذقة تكللت بالضغط على البنوك التي رتبت الإصدار من أجل تصحيح “تشوه” منحنى العائد، وتكللت في نهاية المطاف في خصم 65 نقطة أساس على شريحة 35 عاما.

وأسهم ذلك في إحداث “صدمة التسعيرية” أسهمت في إحداث “آثار متتابعة” في آجال الاستحقاق الأخرى كافة التي تنضوي تحت منحنى العائد الذي تم “إعادة تسعيره” بشكل تلقائي عبر التداولات الثانوية لإصدارات السندات والصكوك الصادرة عن الحكومة السعودية.

وتعد السعودية أولى دول الخليج التي بدأت مسيرة تصحيح الفوارق التسعيرية التي تراكمت منذ خمسة أعوام مع دول الأسواق الناشئة القريبة من التصنيف الائتماني الخاص بالمملكة.

ومع هذا، فإن الفوارق التسعيرية لم تغلق بالكامل بعد مرور عدد من الأعوام على الانضمام لسندات المنطقة لمؤشرات قياس أداء أدوات الدين للأسواق الناشئة، حيث يتطلب الأمر انتهاج مزيد من سياسات التسعير المتشددة مع الإصدارات القادمة من المنطقة.

فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من أن السعودية حصلت على أدنى عائد تاريخي لها في الشريحة الثلاثينية (التي يحين أجل استحقاقها في 2055) وهو 3.75 في المائة إلا أن المستثمرين يرون أنه لا يزال هناك فوارق في الهوامش الائتمانية مع سندات إندونيسيا الثلاثينية التي تم إصدارها في الشهر نفسه عند عائد 3.55 في المائة، على الرغم من أن الدول الآسيوية حاصلة على تصنيف ائتماني أقل بثلاث درجات عن التصنيف الحالي للسعودية.

وحول جاذبية الديون السيادية الخليجية، فإن شركات إدارة الأصول تتساءل حول كيفية شركات المنطقة -تملك تصنيف ائتماني عالي إلى متوسط- بتسعير سنداتها بطريقة لا تتواكب مع الجدارة الائتمانية الخاصة بها، أي أنه كان من المفترض أن يكون التسعير أقل من المستويات الحالية. ويستشهدون على ذلك بدول من الأسواق الناشئة تصنيفها الائتماني أقل من بعض الدول الخليجية وتحصل على تسعير مشابه لتسعير الخليج أو حتى أقل من ذلك.

ويعني حدوث “تشوه لمنحنى العائد” لبعض الشرائح حدوث ارتفاع لتكلفة التمويل مقارنة بـما كانت تلك الدول تدفعه في السابق على الشريحة نفسها. والعوامل التي تتمحور حول إعادة النظر في استراتيجية التسعير تكمن في ارتفاع التصنيف الائتماني، مقارنة بـالدول الأخرى التي في الأسواق الناشئة، ودعم أسعار النفط وكذلك الإصلاحات الاقتصادية.

أضف إلى ذلك أن الأساسيات الاقتصادية لدينا أفضل. هذا بخلاف أن بعض الدول الخليجية لديها مزايا تجعلها تقع ما بين تصنيف الأسواق المتقدمة وتصنيف الأسواق الناشئة. مع أهمية تثقيف المستثمرين بهذه الأمور التي تبدو غائبة للبعض عندما يقومون بالاستثمار بالسندات.

صكوك الشركات

أفادت وكالة “موديز” في تقرير صدر لها في أيار (مايو) 2023 أنه من المتوقع أن ترتفع إصدارات الصكوك الخارجية للشركات بشكل ملحوظ عن أدنى مستوياتها في عام 2022، وتمثل الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي (GCC) وماليزيا أغلبية هذه الإصدارات.

وفي هذا السياق، قال ميسم حسنين، نائب الرئيس ومحلل أول لدى وكالة “موديز”، “رغم ظروف السوق الصعبة، تضاعفت إصدارات الصكوك الخارجية للشركات منذ بداية العام حتى 18 أيار (مايو) 2023 عن حجم إصدارات عام 2022 بأكمله لتصل إلى 5.2 مليار دولار”.

بينما ذكر ريهان أكبر، نائب رئيس أول لدى “موديز”، أن “هذه الزيادة جاءت مدفوعة بالشركات التي أجلت إصداراتها العام الماضي نظرا لتقلب سوق رأس المال، والشركات التي تسعى لإعادة تمويل آجال استحقاق الصكوك على المدى القريب ومصدري الصكوك المصنفين لأول مرة الذين يتطلعون إلى تنويع مصادر التمويل”.

ولا تزال هياكل الصكوك مختلفة، لكن تعتمد جودتها الائتمانية وتصنيفاتها التي تعينها وكالة “موديز” في نهاية المطاف على المخاطر الائتمانية الأساسية غير المدعومة بأصول للشركة الأساسية. وعلى عكس أطرافهم المقابلة في دول مجلس التعاون الخليجي (GCC)، لا يوجد لمصدري صكوك الشركات الماليزية المصنفة بنود خيارية صارمة في وثائق الصكوك الخاصة بهم التي يمكن لحاملي الصكوك ممارستها إذا انخفضت نسبة الأصول الملموسة إلى مجموع أصول الصكوك (نسبة الأصول الملموسة) إلى ما دون حد معين. لكن على الرغم من مثل هذا البند، لا يتعرض مصدرو الشركات في دول مجلس التعاون الخليجي (GCC) بشكل كبير إلى خطر ممارسة الخيارات الموضوعة، لأن خطر انخفاض نسبة الأصول الملموسة لديها إلى ما دون الحد الأدنى أمر بعيد الاحتمال.

زر الذهاب إلى الأعلى