أبرز الموادالاقتصاد

الهيدروجين.. مصدر طاقة يبحث عنه الجميع مستقبلاً

المناطق-متابعات

نحو استدامة الطاقة واستشراف المستقبل النظيف، يبرز الهيدروجين كركيزة عالمية استراتيجية للعبور إلى عصرٍ خالٍ من الكربون.

اليوم، تتنامى التوقعات بأن يلعب الهيدروجين دوراً رئيسياً في تحقيق أهداف تغيّر المناخ، والمساعدة في تأمين إمدادات الطاقة النظيفة الموثوقة في جميع أنحاء العالم.

واستجابة للدور المتزايد للهيدروجين في الجهود العالمية الهادفة إلى تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية، تم تصميم مؤتمر أديبك الاستراتيجي للهيدروجين لمناقشة دور الهيدروجين في الاقتصادات العالمية، وأحدث الابتكارات التكنولوجية، والإستراتيجيات قصيرة المدى وطويلة المدى، والإجراءات المطلوبة لتوسيع نطاق اقتصاديات الهيدروجين في المستقبل.

وفي الوقت نفسه، سيتضمن مؤتمر الحد من انبعاثات الكربون جلسات استراتيجية مع التركيز على الحاجة إلى سياسات مبتكرة، واستثمارات جديدة، وابتكارات تكنولوجية، ومصادر جديدة للطاقة، وإزالة الكربون من الصناعات الثقيلة.

وسيشارك في معرض ومؤتمر أبوظبي الدولي للبترول “أديبك 2023” خلال الفترة من 2 إلى 5 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من 2220 شركة من مختلف قطاعات الطاقة، لتعرض أفكارها وابتكاراتها وحلولها التي تشكل مستقبل الطاقة.

وتضم جوائز هذا العام ثماني فئات جديدة مصممة لمواجهة التحديات التي تؤثر على قطاع الطاقة ودعم جهود الانتقال في الطاقة حيث تغطي الفئات جوانب مختلفة بما في ذلك الشراكات النوعية ومشاريع الهيدروجين التحويلية والابتكار في تكنولوجيا الطاقة النظيفة وإزالة الكربون على نطاق واسع.

ما هو الهيدروجين؟ وكيف أصبح مصدراً للطاقة النظيفة؟

الهيدروجين، العنصر الكيميائي الأكثر وفرة في الكون، هو ناقلٌ للطاقة ينبعث منه فقط بخار الماء والحرارة عند حرقه بالأكسجين النقي. ويمكن تخزينه بكمياتٍ كبيرة، ويُعدّ أكثر كفاءة في استخدام الطاقة من حرق الوقود الأحفوري. على هذا النحو، فهو بديلٌ محتمل في الصناعات الثقيلة التي تنبعث منها غاز ثاني أكسيد الكربون مثل إنتاج الصلب والمواد الكيميائية، وتصنيع الأسمنت، والنقل للمسافاتٍ الطويلة.

ويُنظر إلى الهيدروجين بشكلٍ متزايدٍ على أنه مكوّن رئيسي لأنظمة الطاقة المستقبلية، إذا كان من الممكن صنعه بدون انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وهو مادة وسيطة بالغة الأهمية لمعظم صناعة المواد الكيميائية.

وبالرغم من أن الهيدروجين هو أصغر جزيء في الكون، فإنه يتمتع بإمكانات هائلة بوصفه وقودا نظيفا يمكن استخدامه في إحداث تحول الطاقة العالمي، بحسب صندوق النقد الدولي. فهو غاز قابل للحرق داخل المحركات، كما يمكن استخدامه في خلية وقود لتشغيل المركبات، أو إنتاج الكهرباء، أو توليد الحرارة. ويمكن أن يكون مادة خام أولية ووحدة أساسية في المنتجات الكيميائية الأخرى، مثل الأمونيا (وهي مدخل رئيسي في الأسمدة) والميثانول (الذي يستخدم في إنتاج البلاستيك). كذلك فإن الهيدروجين ومشتقاته يمكن تخزينهما إلى ما لا نهاية في صهاريج وقباب ملحية، وهو ما يعني أنهما ربما يكونان من الحلول المهمة لتخزين الطاقة على المدى الطويل.

ومن الأمور المهمة أن الهيدروجين يمكن أن يحل محل الوقود الأحفوري في جميع هذه الأغراض دون أن يتسبب في انبعاث ثاني أكسيد الكربون؛ فهو ناقل للطاقة خال من الكربون، مثل الكهرباء، لكنه يتفوق عليها فيما يتعلق بإزالة الكربون عن القطاعات التي يصعب إمدادها بالكهرباء، كالصناعات الثقيلة، أو النقل لمسافات طويلة، أو التخزين الموسمي.

وتتوقع معظم سيناريوهات إزالة الكربون أن يكون للهيدروجين دور مهم في تحقيق الانبعاثات الصفرية الصافية بحلول منتصف القرن. فالوكالة الدولية للطاقة والوكالة الدولية للطاقة المتجددة، على سبيل المثال، تتوقعان أن يلبي الهيدروجين من 12% إلى 13% من الطلب النهائي على الطاقة بحلول 2050، صعودا من صفر تقريبا في الوقت الحالي.

وقود المستقبل

يُنظر إلى وقود الهيدروجين على أنه مكون رئيس في مزيج الطاقة العالمي مستقبلًا، وسط تأكيدات العديد من المنظمات والخبراء العالميين أهمية الدور الذي يضطلع به هذا الوقود في تحول الطاقة، حسبما أورد موقع إنرجي تراكر آسيا Energy Tracker Asia.

ووصفت وكالة الطاقة الدولية الهيدروجين بأنه عنصر مهم للغاية في تحقيق أمن الطاقة، ومستهدفات الحياد الكربوني، ما يسلط الضوء على إمكاناته الهائلة في المساعدة على تقليص الانبعاثات الكربونية عبر مختلف الصناعات.

ويقدم الهيدروجين، لا سيما الأخضر منه، فوائد ومزايا عدة، تجعله مصدر وقود واعدًا للمستقبل. وتتمثل تلك المزايا في؛ الاقتراب من الحياد الكربوني، تخزين الكهرباء المولدة من المصادر المتجددة، وقود كثيف الطاقة ما يعني أنه قادر على تخزين كميات كبيرة من الكهرباء وإتاحتها بوزن أقل. وبالمقارنة تحتوي البطاريات المُستعملة في المركبات الكهربائية على كثافة طاقة تصل إلى نحو 200 واط/كيلوغرام، في حين تقترب كثافة الطاقة في الهيدروجين من 35 ألف واط/كيلوغرام.

واتساقًا مع كثافة طاقته، تبرز قيمة وقود الهيدروجين في إزالة الكربون من القطاعات التي يصعب الوصول فيها إلى الحياد الكربوني، فهناك قطاعات مثل إنتاج الأسمنت والصلب والمواد الكيميائية، تتطلب كهرباء متواصلة لا يمكن للبطاريات إتاحتها نتيجة كثافة الطاقة المحدودة.

وفي هذا السياق، يستطيع الهيدروجين الأخضر سد هذا الطلب، إلى جانب إمكان استعماله عنصرًا وسيطًا في العديد من العمليات الصناعية.

ونتيجة لذلك، يمكن للهيدروجين المتجدد أن يخفض الانبعاثات الناجمة عن إنتاج الصلب بنسبة 96%، في حين تصل تلك النسبة إلى 50% في صناعة الأسمنت.

وفي الوقت الراهن، هناك قيود على خيارات إزالة الكربون الأخرى التي لها جدوى في تلك الصناعات التي تُسهم بأكثر من نصف انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في القطاع التصنيعي العالمي.

تعزيز التحول في قطاع الطاقة العالمي

أضحى الهيدروجين الأخضر مُهيّأ تمامًا لتأدية دور محوري في التحول العالمي من الوقود الأحفوري. وبينما تُدرك الحكومات والصناعات أهمية إزالة الكربون وسرعتها، يُتوقع أن تتنامى الاستثمارات في تطبيق تقنيات الهيدروجين على نطاق واسع.

وتمضي جهود تحول الطاقة على قدم وساق، مع تبني 26 دولة حول العالم خُططًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر. وفي هذا السياق، تضاعفت سعة التحليل الكهربائي، في حين زادت أعداد مشروعات الهيدروجين الأخضر الجديدة خلال العام قبل الماضي (2021).

ومع تسارع وتيرة الهيدروجين وتحسن التقنيات المرتبطة به، تُظهر التوقعات أن تكاليف إنتاج هذا الوقود والاستفادة منه ستتراجع كثيرًا.

وسيقود التراجع في التكاليف، والمساعدات الحكومية وكذا سياساتها الداعمة، إلى تزايد تبني استعمال الهيدروجين على نطاق واسع عبر مختلف القطاعات، وهو ما سيكون له تأثير قوي في خفض الانبعاثات العالمية.

وفي هذا الخصوص، تتوقع مؤسسة “برايس ووتر هاوس كوبرز” للاستشارات المحدودة نموًا معتدلًا وقويًا للهيدروجين الأخضر في نظام الطاقة العالمي عبر التطبيقات المتخصصة حتى نهاية العقد الجاري (2030)، مع تسارع النمو خلال العقد التالي.

وبحلول عام 2050، يتوقع خبراء أن يتراوح الطلب على الهيدروجين من 150 إلى 500 مليون طن متري سنويًا.

ومن شأن هذا أن يقضي على 7 غيغا طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويًا بحلول أواسط القرن الحالي (2050)، ما يعادل قرابة 20% من الانبعاثات البشرية العالمية.

وعلاوة على ذلك، يمثّل وقود الهيدروجين محركًا اقتصاديًا مهمًا للمناطق الغنية بمصادر الطاقة المتجددة. وفي هذا الصدد، سيتطور نظام صادرات وواردات قوي مع تنامي البنية التحتية للهيدروجين والطلب على تلك السلعة.

ولا يمتلك الهيدروجين القدرة على خلق قرابة 30 مليون وظيفة بحلول عام 2050 فحسب، وإنما يستطيع كذلك تحقيق إيرادات سنوية عالمية تلامس قيمتها تريليوني دولار.

ما زال إنتاج الهيدروجين المتجدد ومنخفض الكربون في العالم متواضعًا للغاية، مقارنة بالأحجام المطلوبة سنويًا لتحقيق أهداف سيناريوهات الحياد الكربوني بحلول عام 2050.

وقدّر تقرير دولي حديث صدر عن وكالة الطاقة الدولية في 14 سبتمبر/أيلول 2023، إجمالي إنتاج الهيدروجين عالميًا خلال العام الماضي (2022) عند 95 مليون طن متري، مقابل 94 مليون طن العام السابق له (2021)، رغم إعلانات مشروعاته الكثيفة حول العالم.

ورصد التقرير بحسب “منصة طاقة attaqa” نموًا ملحوظًا في إنتاج الهيدروجين المتجدد ومنخفض الكربون منذ عام 2020، لكن إنتاجهما لم يتجاوز 1% من إجمالي إنتاج الهيدروجين العالمي، وسط ضرورة وصول هذه النسبة إلى 50% بحلول 2030، لتحقيق الأهداف المناخية.

وبلغ إنتاج الهيدروجين المتجدد (الأخضر) ومنخفض الكربون 0.7 مليون طن خلال عام 2022، ما يقل بصورة كبيرة جدًا عن الأهداف الإنتاجية المطلوبة بحلول عام 2030، التي تتراوح بين 70 و125 مليون طن سنويًا.

زر الذهاب إلى الأعلى