يكتبونأبرز المواد

إعلام يدعو إلى الحرب

بقلم: خالد الغنامي

جريمة شنيعة هزّت بقايا الضمير الإنساني، عندما قام رجل أمريكي تجاوز السبعين من عمره، بالهجوم على طفل لم يتجاوز ست سنوات وطعنه 26 طعنة متفرّقة على جسده حتى قتله، لمجرد أنه فلسطيني، ثم طعن أمه طعنات كادت تلحقها بالصبي.

ماذا يعني أن يتجاوز الإنسان سن السبعين؟ إنه سنٌّ يميل فيه البشر للمسالمة والبعد عن العنف، خصوصاً بعد ضعف القوة والاقتراب من نهاية الحياة.

لا شك أن الدافع كان قوياً للغاية لكي يتجاوز عناصر الضعف وأسباب الاستكانة، مع أننا لا نتوقع من رجل مثل “جوزيف تشوبا” أن يعرف الكثير عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إنها بلا شك التعبئة الإعلامية التي أشعرت أمثال القاتل جوزيف تشوبا أننا على أبواب معركة “هرمغيدون”، أو ما أشبه ذلك من خرافات.

هذا الطفل واسمه “وديع الفيومي”، تقابله أعداد لا نملك إحصاءات دقيقة عنهم من الأطفال الذين يُقتلون في غزة بمن فيهم الذين قتلوا قبل ساعات في مجزرة المستشفى المعمداني، فـ 80% ممن يقع عليهم القصف الإسرائيلي هم من النساء والأطفال.

من يتابع الإعلام الغربي في هذه الأيام فلا شك أنه سوف يرى الرابط بين جريمة القتل البشعة تلك وما تنشره الصحف والمواقع الإلكترونية في هذه الأيام.

حملة شعواء، ليست على “حماس” التي أدناّها وجرمناها، بل على كل الشعب الفلسطيني، وعلى سبيل المثال، انظر فيما تكتبه وتنشره الصحافة البريطانية، وستجد أنها قد فقدت رزانتها المعهودة فطالعتنا بدعوات بسجن وعقوبة من يرفع شعارات فلسطينية، فصحيفة “التليغراف” نزلت بلغتها لدرجة السباب والشتائم الصريحة على مدار الأسبوع، و”الغارديان” طردت رسام كاريكاتير يعمل فيها منذ أربعين سنة لمجرد أنه انتقد “نتنياهو” الذي يطالب الإسرائيليون اليوم بعزله من منصبه ويحملونه سبب الفشل الحادث.

الصحف البريطانية العريقة تنقل في هذه الأيام عن “مواقع” إسرائيلية، مثل موقع “والا” ومع ذلك تبدو لهجة الإسرائيليين أخف بكثير. ونقلت “التليغراف” عن الجيش الإسرائيلي إنه لا يزال يطور خططاً لعمليته البرية في قطاع غزة، والتي سيتم تقديمها للقيادة السياسية في البلاد، ونقلت الصحيفة عن الموقع الإسرائيلي أن التأخير تسبب في إحباط بعض القادة العسكريين، الذين يعتقدون أنه سيمنح “حماس” المزيد من الوقت للاستعداد.

الصحيفة البريطانية تستعجل الجيش الإسرائيلي للقيام بعمليته البرية المتوقعة، وقد ضايقها تأجيل العملية حتى انتهاء زيارة الرئيس “بايدن” لإسرائيل، ومنذ أيام كتب كاتب آخر في الصحيفة نفسها، معرباً عن اعتزازه ببلاده التي سترسل القوات الجوية البريطانية لمساندة حاملة الطائرات “جيرالد فورد” وحاملة الطائرات “آيزنهاور” والسفن المرافقة لهما لتحط قرب إسرائيل.

ما هذه المبالغة في إظهار القوة؟ يقال أن الإنسان لايبالغ في إظهار القوة فذلك دليل على هشاشتة.

الإعلام الغربي في هذه الأيام، لمن يتابعه جيداً، يمارس حقاً دور الداعية إلى الحرب لا إلى السلام، وهو بلا شك يتحمل جزءاً من مسؤولية ما يحدث على الصعيد الأخلاقي والجنائي، لكن لا نزال على ثقتنا بالعقل، وأن الانجراف العاطفي لن يقود البشر إلا لتدمير أنفسهم، فصوت العقل اليوم تمثله حكومة المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية اللتان تبذلان جهوداً جيدة لاحتواء هذه الأزمة الخطيرة، سواء على صعيد إيقاف الغزو البري على غزة، أو على صعيد منع تهجير أهلها إلى مصر.

*كاتب سعودي
نقلاً عن: majalla.com

زر الذهاب إلى الأعلى