أبرز المواددولي

الإجهاض في أمريكا .. إبطال حكم عمره 50 عاما

المناطق_متابعات

انقسمت الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها الجمعة الماضي، بعد أنهت المحكمة العليا الأمريكية الحق الدستوري بالإجهاض، بإصدارها قرارا جديدا، يلغي القرار التاريخي الذي صدر في 1973 في القضية المشهورة باسم “رو ضد ويد”، حين رفعت نورما ماكورفي – التي عرفت حينئذ باسم جين رو لحماية هويتها – دعوى قضائية ضد هنرى وايد المدعي العام لمقاطعة دالاس ثالث أكبر مدن ولاية تكساس، متحدية بذلك قانون الولاية الذي يجرم الإجهاض، باعتباره عملا غير قانوني.
خلف قرار المحكمة العليا الذي قضى على نصف قرن من الحماية الدستورية لواحدة من أكثر القضايا إثارة للانقسام في المشهد السياسي الأمريكي، ردود فعل راوحت ما بين الإدانة والتنديد، والحث على اتباع كل السبل لتغييره في أقرب فرصة. فقد تعهد الرئيس بايدن بمواصلة الكفاح من أجل الحقوق الإنجابية، وطالب الناخبين، في حملة انتخابية مبكرة للانتخابات النصفية، بالتصويت لمصلحة النواب الذين سيعملون في الكونجرس على تقنين حقوق الإجهاض كقانون أساسي في عموم البلاد.
ووصفت نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأمريكي، قرار المحكمة بأنه “صفعة على وجه النساء”. يحدث هذا في وقت تولت فيه أكثر من 50 دولة، ذات تاريخ سابق من القوانين التقييدية، مراجعة تشريعاتها وتحرير الشق المتعلق بقضايا الإجهاض. وصعدت بيلوسي من لهجتها تجاه القرار، لدرجة تكييف انتخابات الكونجرس تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، بأنها تصويت على حق المرأة في اتخاذ القرار بشأن جسدها على ورقة الاقتراع.
تلقى التيار المحافظ القرار بصدر رحب، مشيدا بجرأة المحكمة في إبطال حكم عمره 50 عاما، وكان ذلك متوقعا بعد تعيين الرئيس الأسبق دونالد ترمب، خلال ولايته الرئاسية، ثلاثة قضاة محافظين، ما رجح كفة اليمينيين في المحكمة، وأسس لأغلبية محافظة من الحكم ستة قضاة في مقابل رفض ثلاثة ليبراليين، من إجمالي الهيئة القضائية المكونة من تسعة قضاة.
نقرأ في حيثيات القرار الجديد “أن الدستور لا يمنح الحق في الإجهاض، وينقض قرار ور ضد ويد، وتعاد سلطة تنظيم الإجهاض إلى الناس وممثليهم المنتخبين”، وأضافت أن “الدستور الأمريكي لا يشير إلى الإجهاض ولا إلى حماية ضمنية لمثل هذا الحق في أي من بنوده”. بهذا تسقط المحكمة التكييف القانوني السابق للتعديل 14 الذي يحمي الحق في الخصوصية، واستند إليه قرار 1973 لمنح المرأة حق اختيار الإجهاض من عدمه، بتأييد أغلبية سبعة أصوات مقابل رفض اثنين فقط.
يتوقع أن تفرض نصف الولايات الأمريكية قيودا أو إجراءات حظر جديدة. وعمليا، مررت 13 ولاية قوانين تقضي بحظر الإجهاض تلقائيا، فور إصدار حكم المحكمة العليا. ويحتمل أن تحذو ولايات أخرى حذوها في المقبل من الأيام. ويرجح أن تعمد الولايات التي تنقسم فيها الآراء حول الإجهاض بصورة شبه متساوية بين الرفض والقبول، مثل بنسلفانيا وميشيجان إلى تحديد شرعية الإجهاض في كل حالة على حدة. فيما اقترح الحكام الديمقراطيون في عدد من الولايات “كاليفورنيا، نيو مكسيكو…” خططا لوضع حقوق الإجهاض في بنود دساتير ولاياتهم، ضد إلغاء قضية “رو ضد ويد”.
طالما نظر الأمريكيون إلى المحكمة العليا في الدولة باعتبارها قمة السلطة القضائية، وصمام أمان في حماية الدستور، وتحقيق التوازن بين السلطات الثلاث، بما يؤدي إلى الحفاظ على الاستقرار، واستمرار الانتظام في آليات النظام. لكن المحكمة بموجب القرار الجديد تفتح معارك سياسية في الدولة، فقد عد مراقبون أن ما عجز الجمهوريون عن تقنينه عبر مؤسسة الكونجرس، يسعون إلى تمريره عبر المحكمة العليا التي تكتسب قراراتها مفعول القانون النافذ، ما لم يصوت الكونجرس على قوانين مخالفة لها، باعتباره المرجعية القانونية الأعلى.
وقد سبق لقرارات المحكمة العليا أن تأثرت بتركيبتها الحزبية، خاصة في القضايا الرمادية، حيث المجال مفتوح للاجتهاد. وكانت أشهر قضية تصويت المحكمة في قضية النزاع على عد الأصوات في ولاية فلوريدا في انتخابات الرئاسة عام 2000، بين جورج بوش الابن ومنافسه آل جور، التي صوتت أكثرية أعضائها الجمهوريين آنذاك لمصلحة الأول، مع أن قضيته لم تكن متماسكة بما يكفي قانونيا.
يذكر أن المحكمة أصدرت الخميس – أي قبل الإجهاض بيوم – حكما يؤكد حق المواطن في حمل السلاح في الأماكن العامة للدفاع عن نفسه، الذي يجيزه التعديل الثاني للدستور. قرار لا يتوافق مع الحس العام، ومنطق القانون في زمن يفترض أن يكون الفرد فيه في حماية القانون، وليس المسدس الشخصي، خاصة في أماكن التجمع العام، التي يقوم فيها رجال الأمن بتوفير السلامة للناس.
عد خبراء قراري المحكمة العليا الأخيرين، منع الإجهاض وحمل السلاح، محكومين بالحيثيات السياسية أكثر من الحيثيات القانونية، فالجمهوريون ماضون في طريق فرض النموذج المحافظ على طريقة الحياة الأمريكية. لكن هذه المساعي غير مضمونة النتائج، فالتوقعات تفترض نتائج عكسية لهذه السياسة، فالمحكمة بهذه الأحكام القضائية تمنح الديمقراطيين ورقة انتخابية رابحة، وطوق نجاة يمكن أن يغطي سوءات الإدارة الأمريكية “الحرب في أوكرانيا، أزمة الطاقة، مشكلة التضخم، ارتفاع الأسعار…” في انتخابات التجديد النصفي المقبلة.

زر الذهاب إلى الأعلى