أبرز المواديكتبون

الحلم السلطاني

كم هي الأحلام ، الجميل والقبيح ، الحلو والمر، والمنطقي والوهمي الخيالي! ومنها حلم النائم والذاهن، وكم هي بعيدة المنال في أغلب الظروف والأحوال. فحلم الذاهن (اليقظة) مثلاً يطير بصاحبه إلى فضاءات الخيال ومتاهات المستحيل بعيدا عن الواقع ، فيتلذذ صاحبه بإنجاز علمي أو منصب رفيع أو ثراء فاحش ، وحال انتباهته قد يصدق نفسه أنه سيحقق ما رأى في حلمه ، ويعيش وهم لا نهاية له. فالحالم السياسي باسترداد ماضيه الغابر يعيش ويسترجع تفاصيل الماضي ويستشرف أحلام الغد دون مراعاة الحاضر وتفاصيل الواقع وتحدياته ، فتراه يخرج للعامة من شرفة التعالي وهو يهذري بكلام لا مساس له بالمنطق ولا بالواقع.

وإذا كان ذلك الحالم من الساسة الذين تلبسهم داء العظمة والعنجهية فإنه يكون في خطابه وكلامه حماسياً ومندفعاً وثورياً ومتعدياً معولاً على عواطف الشعوب المريضة أو الذليلة أو الخائنة ، فيحرك بخطابه كوامن العواطف والشجون والأحلام بوعود ميتافيزيقية ، دون مخاطبة العقول والأذهان.

وخطابات الرئيس التركي مثال حي على حلم الذاهن ، فمن يتابع خطواته وخطاباته وطموحاته يدرك أنه منفصلاً عن الواقع ، وأنه متناقض مع ذاته ونفسه ، فتجده تارة يمجد حماس والأحزاب الإسلامية المتآمرة وينادي باسترجاع الحق الفلسطيني ، وهو يقيم في الوقت ذاته أقوى العلاقات مع الكيان الصهيوني! فأيهما نصدق قوله أم فعله؟

ولا غرابة في مواقفه فقد قام سلفه بتسليم مفاتيح القدس للجنرال لنبي عام ١٩١٧م في هزيمة وتخاذل مهين ، فياليت اردوغان يعمل على إعادة تلك المفاتيح الغالية إلى حاضنتها الإسلامية حتى نصدق غيرته وحسن توجهه الديني، أم أن الهدف هو زعزعة أمن بلاد الحرمين الشريفين ومآرز الإيمان وقبلة المسلمين في اتفاق وتطابق مع أهداف المجوس وولاية الفقيه في قم!

والملاحظ أن لاردوغان مطبلين في بعض الدول ، وأصبح لتركيا شعبية لافته ، فلماذا ؟ فهل نجح اردوغان في تسويق الحلم السلطاني؟
لقد دخلت المسلسلات التركية في غفلة منا منذ نحو عقد من الزمن إلى فضاءنا العربي بشكل مكثف ومدروس تقوده الإثارة والشهوة حيث لا مضمون ولا محتوى فيما عدا التعري والخيانات والتفسخ من القيم والمبادئ الدينية! والمنتوجات التركية غزت الاسواق العربية بشكل ملحوظ ، وانتشرت العمالة التركية في كثير من المهن ولا نستغرب من جهود بعضهم الاستخباراتية! وهذه تسهيلات السياحة المآجنة في تركيا ، والفرص الاستثماراتية العقارية المشبوهة ، وزد على ذلك تسويق التصوف المغالي حيث دخلت إلى بعض مدن العالم الإسلامي الزوايا والأضرحة ونشط عمل القائم منها من السابق ، وقادت إلى حملات التشكيك في الثابت من السنة وكتب الحديث!، وغير ذلك كثير من المغريات التي تلبي احتياج كل أحد!

واليوم وبعد مراقبة التحركات التركية المعلنة في المنطقة فقد تكشف الغطاء وانفضحت النوايا خصوصا لأولئك الواهمين الذين كانوا يظنون بأن أردوغان مصلح إسلامي وسيكون قادرا على قيادة المسلمين للعزة والمنعة، وأنه الخليفة المنتظر لخلافة العالم الاسلامي!

علينا كسعوديين أن نقف قليلا مع أنفسنا ونتفحص بدقة وبروية أهداف واطماع اردوغان السلطانية الشخصية ، ونسبر غور نوايا تركيا الاستعمارية، وعلى البعض منا أن يفيق من أوهام الحلم الذي بناءه لهم … ولندرك أن كل ذلك يستهدف عقيدتنا السمحة ووحدتنا الوطنية وكياننا السعودي العظيم وعروبتنا الأبية، وإنه لا يهم أردوغان على أي انقاض بناء مجده أو أعاد أرث جده السلطاني، فأسلافه مازال أثرهم السلبي ماثل أمامنا ومتجذر في نفوس كبارنا ، فهل نعي الدروس السالفة ؟.

*كاتب سعودي

زر الذهاب إلى الأعلى