أبرز الموادمحليات

المانجا والأنمي .. فن ياباني برؤيةٍ سعودية طموحة

المناطق_واس

تزايد اهتمام الشباب السعودي بالمانجا والأنمي لم يأتِ من فراغ، فقد تم ترسيخ هذه الثقافة بشكل كبير، إذ ارتبطت بطفولة الكثير منذ السبعينات الميلادية وحتى اليوم؛ حيث حظيت أعمال هذا الفن الياباني بشعبية كبيرة بين أوساط المجتمع، وبدأت تنال اهتمامًا واسعًا، وشهدت شعبيتها ارتفاعًا كبيرًا في المملكة خلال الأعوام الأخيرة؛ وذلك بفضل قدرتها على جذب الجمهور من مختلف الأعمار، فأصبحت هذه الفنون جزءًا رئيسًا من اهتمامات المجتمع السعودي، ومصدرًا للترفيه والتعلم في آن واحد.

 

وتُعرف “المانجا” على أنها واحدة من أشكال الفن الياباني الذي يعتمد على الرسومات الكاريكاتورية، والكتب والروايات المصورة، وتختلف عن قصص الرسوم أو ما يُعرف بالكوميك (American comic books) في عدة جوانب، إذ أنها تُقرأ من الخلف للأمام ومن اليمين إلى اليسار، على عكس القصص المصورة التي تقرأ من الأمام إلى الخلف.

 

وجاء انتشار المانجا والأنمي في المملكة بهذه السرعة، عطفًا على تمكّن هذا الفن من المزج بين الترفيه والثقافة والتعليم، فضلًا عن تعزيز الهوية الوطنية من خلال استخدامهما بطابع سعودي محلي، حتى يتم استثمارهما لخدمة أهداف التنمية الشاملة.

 

ولتطوير هذه الثقافة، دأبت الهيئة العامة للترفيه على العمل بشكل دوري بالتعاون مع شركات ومؤسسات كبرى لإقامة فعاليات ومعارض في المملكة، بلغ عددها حتى الآن أكثر من 20 معرضًا.

 

ونحو تحقيق مستهدفات جودة الحياة في قطاع الترفيه ضمن رؤية السعودية 2030، يأتي معرض “إكسبو” معرض الأنمي والمانجا الذي يُعد أكبر معرض في الشرق الأوسط، حيث حظي هذا المعرض بإقبالٍ كبير من السياح من مختلف أنحاء العالم، وعلى المستوى الدولي تأتي منطقة “أنمي تاون” اليابان، في العاصمة الرياض وتحديدًا في “بوليفارد وورلد”، بصفتها أكبر مدينة أنمي في العالم، وتحتوي على أربع مناطق تتمثل في “أنمي فيرس ستريت”، و “ناكميس ستريت”، و “ماتسوري مارين”، و “شيبويا”، واحتضن مسرحها مهرجان “ساكورا ميوزيك”، الذي ينُظم للمرة الأولى خارج اليابان.

 

وخلال شهر يونيو الحالي، تستقطب جدة فعالية قرية الأنمي الفريدة من نوعها.

 

وتميّز مسرح “قرية الأنمي” المفتوح بوسط القرية، بتصميم فريد مستوحى من مروحة الورق اليابانية، حيث تقام على خشبته مجموعة من الفعاليات المصاحبة، مع وجود العديد من المجسمات والرسومات لشخصيات الأنمي الشهيرة بكل مقوماتها وعناصرها، وكذلك تقديم باقة من التجارب المستمدة من عالم الأنمي والثقافة اليابانية.

 

وتضمنت الفعاليات المخصصة لمحبي الأنمي، مجموعةً من المسابقات التنكرية المحلية، إضافةً إلى عروض مباشرة، وتجارب مميزة في المطاعم ذات الطابع الياباني، وعددٍ من الأنشطة المرتبطة بمجالات الأنمي، صُمِّمَت خصيصًا لعشاقها والمهتمين بعيش أجواء شخصياتهم المفضلة.

 

كما يتيح المعرض لزواره مسرحًا مخصصًا للعروض الحية، يؤدي فيه مشاهير الأنمي عروضًا مقتبسة من حفلات غنائية، وحوارات ومناقشات مع المنتجين والممثلين الصوتيين، إلى جانب عرض أحدثَ أفلام الأنمي في قاعات خاصة، واستضافة العديد من الأسماء البارزة من المؤلفين العالميين، وصانعي المحتوى الذين أثروا الساحة الثقافية في هذا المجال.

 

وتلعب شركة “مانجا العربية” التابعة للمجموعة السعودية للأبحاث والإعلام، دورًا حيويًا في تطوير صناعة المانجا السعودية، وتسهم في نشر ثقافة المانجا وإتاحة الفرصة للمبدعين في تقديم أفكارهم عبر منصة إبداعية ودورية شهرية تبرز إبداعهم، وذلك بعد تهيئة الإمكانيات وتطوير المهارات، مما أسهم في تقديم أعمال مميزة من وحي الثقافة العربية، حيث بدأت الشركة مرحلة جديدة في ترجمة الأعمال العربية إلى لغات أخرى كالمالايوية والصينية والإنجليزية، وذلك مع مانجا (المغامرون الصغار)، كما تعمل مانجا العربية على اكتشاف المواهب من خلال المسابقات التي تطلقها، لتشجع المهتمين بالمشاركة وتقديم أعمالهم والاستثمار في مواهبهم ، لإثراء المكتبة العربية بفن المانجا.

 

وأكد الرئيس التنفيذي لشركة “مانجا” للإنتاج الدكتور عصام بخاري، أهمية تصدير المحتوى السعودي إلى العالم، مشيرًا إلى أن الشركة أصدرت حوالي 50 ألف صفحة ورقية وإلكترونية بين إنتاج محلي وترجمة من اللغة اليابانية، ووزعت نحو 11 مليون نسخة ورقية في مجلتي مانجا العربية للصغار والشباب في العالم العربي، بالإضافة إلى أكثر من 4 ملايين تحميل لتطبيق مانجا العربية في 171 دولة حول العالم خلال العام الماضي.

 

وكشف بخاري عن العمل على مسلسل يحمل اسم ” أساطير في قادم الزمان” باللغة العربية الفصحى، مطعّمًا باللهجات السعودية، مشيرًا إلى قدرة الشركة على المنافسة على المستوى العالمي في مجال الإنتاج والمحتوى عبر محطات “جاي-كوم” اليابانية التابعة للمجموعة، كما حدث مع فلم “الرحلة” الذي شكّل بداية قوية حيث تمت دبلجته حتى الآن إلى خمس لغات، وتوّج أيضًا بجائزة أفضل فيلم تجريبي في مهرجان سبتيموس للأفلام السينمائية.

 

ومن جانبها، أعربت مديرة التحرير في مجلة مانجا العربية نوف الحسين، عن تفاؤلها بمستقبل صناعة المانجا والأنمي السعودية، مشيرة إلى أن الاهتمام بالمبادرات الإبداعية في قطاع التعليم والثقافة سيسهم في تطوير سوق العمل وزيادة فرص النمو في هذه الصناعة في المستقبل القريب.

 

وقالت الحسين: “أصبح المجتمع السعودي يدرك أهمية تنمية المواهب والمهارات المختلفة، بما في ذلك صناعة المانجا والأنمي السعودي”، لافتةً الانتباه إلى أنه يمكن تحقيق ذلك من خلال الرسم والكتابة والتركيز على الجانب الإبداعي، وهو الأساس في صناعة المانجا.

 

وأشارت إلى أن هذا التوجه سيؤدي إلى تطوير شخصيات محلية تمتلك القيم العربية الأصيلة والروح والهوية السعودية، حيث يمكّن هذا النوع من المحتوى من الوصول إلى الجمهور وتحقيق النجاح على المستوى العالمي، والإسهام في تعزيز الثقافة السعودية مما يصنع جيلاً مبدعًا يحمل رسالة ثقافية جديدة ومختلفة.

 

وفيما يتعلق بصناعة الأنمي في المملكة، أوضح الناقد ومحلل فن الأنمي والمانجا الخبير ماجد العامر، أنها تشهد تطورًا باهرًا ومٌلفّتًا، على الرغم من أن جهودها بدأت في عام 2019 وتأجلت لفترة بسبب جائحة كوفيد-19، إلا أن الصناعة السعودية تفوقت على العديد من الدول العالمية التي بدأت في تطوير هذه الثقافة منذ الأزل.

 

وبيّن العامر أنه تم اعتماد المملكة كمُنتجٍ رسمي عبر المنصات الترفيهية العالمية، مثل “نتفليكس” و”شاهد” و”ستارز بلاي” و”كرانشي رول”، وجميعها تعمل بالمملكة، وتقدم ترجمة عربية مما يُظهر الإمكانات الكبيرة لهذه الصناعة.

 

وقال: إنه يتم شراء حقوق المانجا وإصدارها محليًا بشكل رسمي ومترجمة للعربية، وتوزع في المراكز والمكتبات وحتى في دور السينما، مشيدًا بالأعمال الضخمة التي أنتجتها شركة مانجا مثل “الرحلة” و”قادم الزمان” وإعادة إنتاج “جرانديزر”.

 

وأشار العامر إلى أن المحتوى المحلي بأيدٍ سعودية بحتة، سيعكس الثقافة السعودية الحقيقة دون تأثيرات خارجية، وسيساعد على نشر رسالتنا للعالم، مثمنًا الدعم الحكومي لصناعة الأنمي والمانجا والجهود الكبيرة التي تقدمها الدولة في هذا الصدد.

 

وحول أبرز التحديات التي يواجهها صنّاع الأنمي والمانجا في المملكة، أوضح أن أكبر تحدي يواجه القطاع حالياً هو القبول الاجتماعي، مشّددًا في هذا السياق على أهمية إقبال المجتمع على الفرص الوظيفية المتاحة في هذه الصناعة، مثل كاتب المانجاكا “رسام المجلات المصورة” والأنميتر “محرك الصور” وغيره، قائلاً: ” إن المملكة تقطع مسافات كبيرة في هذا الشأن، ولكننا بحاجة لقبول أسرع من المجتمع، فهناك فرص عظيمة لاستخدام الأنمي في شتى المجالات”.

 

ويتوقع العامر بأن تصبح صناعة الأنمي جزءاً محورياً من اقتصاد المملكة في السنوات السبع القادمة، مرجحًا أن تعزز إنتاج المحتوى المحلي لخلق نوع آخر من السياحة الترفيهية في المملكة.

 

يذكر أن المملكة أطلقت مؤخرًا برنامج “تعليم المانجا” في إطار الأنشطة غيرالصفية الافتراضية المتاحة على منصة “مدرستي”، من قبل وزارتي الثقافة والتعليم بهدف تنمية قدرات الطلاب والطالبات في مجال المانجا، ابتداءً من العام القادم.

 

ويأتي البرنامج امتدادًا للشراكة القائمة بين الوزارتين في إطار تفعيل إستراتيجية تنمية القدرات الثقافية عبر إدراج الثقافة والفنون في التعليم العام، وانطلاقًا من أهمية التواصل الثقافي الحضاري، وتعزيز القيم الجمالية والفنية في رسومات القصص المصورة، وتحفيز الطلاب على الابتكار والإبداع لإنتاج قصص مصورة بهوية ثقافية وطنية.

زر الذهاب إلى الأعلى