أبرز المواديكتبون

المسلمون بين صراع الحضارات ونهاية التاريخ

بقلم: علي المطوع

كالعادة يمارس بعض متطرفي الغرب أقبح صور التطرف ضد الإسلام والمسلمين، فبالأمس القريب وبرعاية مدنية ديمقراطية في دولة السويد، أحرق عراقي نسخة من المصحف الشريف، ثم قام بدهسه وركله في تأصيل لفعل شنيع، يعكس تطرف الفكر الغربي في ممارساته البشعة، تجاه المختلف والمخالف، وعادة ما يكون الإسلام في عرف الغربي هو المختلف، والمسلمون هم المخالفون، وهنا تتجلى أسوأ الأفعال عنصرية وأكثرها وحشية وتطرفا.

الصدام بين حضارات الشرق والغرب، صدام قديم، بدأه المسلمون من خلال الفتوحات الإسلامية كما يرى ذلك بعض مفكري الغرب، ثم الحروب الصليبية، والأخيرة كان فيها من المآسي ما يخجل منه بعض معتدلي الغرب، وما وثقته بعض كتبهم وكتب مؤرخي الشرق، من مجازر جماعية ارتكبتها تلك الحملات في الديار الإسلامية حين ذاك، ومازال الصراع بين الشرق والغرب مستمرا وإن اختلفت صوره وأشكاله ووسائله.

وفي بداية التسعينيات من القرن الماضي أعاد صامويل هنتنجتون مسألة الصراع الأزلي بين الشرق والغرب إلى الواجهة من جديد، من خلال مقاله الشهير «صدام الحضارات»، الذي كان بذرة لكتابه الأشهر الذي حمل ذات العنوان، وفي هذه الأطروحة ينحاز هنتنجتون إلى هويته الغربية، ليؤصل لمفهوم علاقة دائمة التوتر بين الغرب المسيحي وسائر الحضارات وخاصة الإسلام، ولعل استخدامه لمفردة الصدام أكبر دليل على ذلك.

قبل ذلك التاريخ وبقليل وتحديدا في عام 1989م، الياباني الأصل الأمريكي الجنسية فرانسيس فوكوياما؛ بشر بالليبرالية كآخر منتج إنساني أيديولوجي، يستطيع أن يتفهم الإنسان ويفهم حاجاته ويعينه على العيش وفق قيم غربية متحررة ومتمحورة حول الفردانية والعدالة واقتصاد السوق بمفاهيمه الرأسمالية العادلة!

هذه الأطروحات الفكرية تمت صياغتها بشكل متطرف انحاز للغرب وقوانينه، ومن ثم أعادت هذه الأفكار تشكيل التوجهات السياسية والفكرية لنخب الغرب وعوامه تجاه الأمم الأخرى، خاصة المسلمين، لتشكل فيما بعد النزعات العدائية الجديدة، التي جسدت في بعض الحملات العسكرية اللاحقة التي استهدفت العراق وأفغانستان، تحت شعارات (حروب صليبية) ودعاوى كيدية كاذبة، ومازال تصريح جورج بوش الابن، (من لم يكن معنا فهو ضدنا)، هو انعكاس وتجسيد للتوجه الغربي المتطرف فكرا وتفكيرا، عند تعاطيه مع الإسلام والمسلمين كمكون حضاري آخر.

وفي ذات السياق ولكن بأساليب عدائية أخرى يستمرئ الغرب ويستمر في استفزاز المسلمين؛ تارة بحرق القرآن كما حصل مؤخرا، وقبلها القريب كما فعلته شارل إبدو؛ الصحيفة الفرنسية الهزلية التي أساءت لنبينا الكريم – عليه أفضل الصلاة والتسليم – برسوماتها الموغلة في التطرف، كل ذلك كان وما زال على نفس المبدأ وذات التبرير، الذي أصبح المسوغ القانوني الذي يختفي وراءه الغرب عند الإساءة للمسلمين، لتظل حرية التعبير – كما يقال – وضمان سيرورتها هي المبرر الأول الذي إن لم يرافق الفعل المسيء فإنه يسبقه استعدادا لمواجهة ردة الفعل الإسلامية الخجولة والضعيفة تجاه تلك التجاوزات.

من هنا يحتم علينا الواقع المأزوم الذي يعيشه الغرب تجاه نفسه والآخرين أن نعي وندرك أن هذه التجاوزات بحق الثوابت الإسلامية والإنسانية ليست مجرد أعمال فردية يتحمل وزرها فاعلها فقط، ولكنها تظل منهجا غربيا مكتمل الصورة والتصور، لديه من التأصيل ما يجعله بمنأى عن أي محاسبة أو إعادة تقييم من النخب الثقافية والسياسية التي ما زالت ترى في المسلمين عدوا يجب إخراجه من الحياة، هذا الوعي يفترض أن يعقبه ردات فعل فكرية إسلامية منظمة ومنتظمة تقوم على أبعاد معرفية صحيحة شاملة وعادلة، قادرة على إخطار هذا الآخر أن ما فعله جريمة وتجاوز ينبغي وقفه وعدم العودة إليه، وهذا لن يكون من خلال البيانات المتناثرة والمزايدات البينية الفارغة ولا التعليقات المنفردة، بل بتكامل مؤسسي تتشارك فيه المؤسسات الفكرية والمعرفية في عالمنا الإسلامي للتصدي لمثل هذه التجاوزات ووأدها في مهدها حتى لا تستمر بهذه الصورة الفجة، سلوكا عدائيا اعتاده الغرب لأذية الآخرين ولإشغال رجل الشارع البسيط هناك، الذي لا يهتم كثيرا لمثل هذه القضايا الفكرية المعقدة.

حرق المصحف الشريف من وجهة النظر الغربية، حرية تعبير يكفلها الفكر الغربي ومؤسساته عبر شعاراته ودساتيره المتناقضة، حرية تصب الزيت على النار دون مراعاة لتبعات هذه التجاوزات وتأثيرها على الغرب قبل غيره، كونها تستعدي مكونا بشريا هائلا كان ومازال شديد الاعتزاز والاعتداد بتراثه وقيمه ومقدساته، وهنا يكمن الصراع الحقيقي بين حضارة متسلطة ترى في التجاوز والاعتداء على معتقدات الآخرين حرية تعبير!، أما ردات فعل الآخرين فتصبح في المخيال الغربي صورا من الفوبيا الموحشة والمتوحشة، كما دأب إعلامهم على تجسيدها في صورة مغلوطة واتهامات مفبركة جرت العادة أن تصاحب الحضور الإسلامي وقد تسبقه في كل صوره الفكرية والتاريخية والإنسانية في المشهد الدولي عامة وفي الغرب خاصة.

*كاتب سعودي

نقلاً عن: makkahnewspaper.com

 

زر الذهاب إلى الأعلى