أبرز الموادالاقتصاد

انتهاء فترة الازدهار يثير موجة خفض الوظائف

المناطق_متابعات

يعد تقليص الوظائف في شركتي ماكينزي وكيه بي إم جي هذا الشهر أول علامة ملموسة على أن الطفرة في الإنفاق على الاستشاريين التي بدأت أثناء الجائحة ربما انتهت، لأن العملاء يتجهون نحو خفض التكاليف ومقاومة التضخم.

إن الشركات تعاني نقص الموظفين وتسعى يائسة لجعل عملياتها رقمية، بعد أن دفعت الجائحة مبالغ قياسية للاستشاريين في العامين الماضيين. أدى الطلب على الاستشارات في التكنولوجيا وعقد الصفقات وتنفيذ تعهداتها الخاصة بانبعاثات الكربون إلى صافي الصفر إلى زيادة كبيرة في الأرباح التي حققها الاستشاريون، واشتعال حرب حول الأجور والتوظيف.

لكن ارتفاع التكاليف ونهاية الاقتراض شبه المجاني للعملاء وتراجع النشاط في عقد الصفقات أدت إلى توقعات أكثر صعوبة لبعض الأجزاء من أعمال الشركات الاستشارية الكبرى، كما أدى ذلك إلى إجراء أول التخفيضات الوظيفية الكبيرة في هذا القطاع، بعد الإعلان عن تخفيضات كبيرة في الموظفين في شركات كبيرة مثل ميتا وبنك جولدمان ساكس.

تقوم شركة كيه بي إم جي حاليا بخفض ما يقارب 700 وظيفة في أعمالها الاستشارية الأمريكية ونحو 200 وظيفة في أستراليا -أي نحو 2 في المائة من إجمالي قوتها العاملة في كل من الدولتين”. في الوقت نفسه، ستقوم شركة ماكينزي بفصل ما يصل إلى ألفين من الموظفين الزائدين عن حاجتها من أصل 45 ألف موظف كجزء من عملية عالمية لإعادة الهيكلة، بعد أعوام من التوسع السريع.

قالت فيونا تشيرنيافسكا، الرئيسة التنفيذية في شركة سورس جلوبال ريسيرش لتحليل البيانات، “إن عمليات التوظيف الجنونية من قبل الشركات الاستشارية في الشهور الـ18 الماضية تذكرنا بالزيادة في التوظيف خلال طفرة الدوت كوم قبل أكثر من عقدين، التي انتهت بتسريح جماعي للموظفين”.

كما قالت تشيرنيافسكا “أعتقد أننا سنشهد مزيدا من حالات الفصل أكثر مما رأيناه خلال جائحة كوفيد، لكن ليس بالقدر نفسه الذي رأيناه في 2002، لأن الشركات أصبحت أكثر حذرا بشأن الأضرار التي تلحق بسمعتها جراء فصل مجموعات كبيرة من الناس”.

وفقا لأشخاص في الصناعة، يظل المستشارون منهمكين في تقديم المشورة في قضايا التكنولوجيا والحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات وسلسلة التوريد، إلا أن المجالات الأخرى مثل الاستشارات المتعلقة بالصفقات تشهد هدوءا أكبر.

قال كيفين إليس، رئيس شركة برايس ووترهاوس كوبر في المملكة المتحدة “لا تزال السوق مزدهرة، لكننا في فترة نمو مستقر، على عكس النمو المفرط الذي صاحب نوبة الجنون في عقد الصفقات بعد الجائحة”.

أثرت حالة الركود في إبرام الصفقات في القطاع المصرفي بشكل خاص، ما دفعهم إلى تقليص المبالغ التي ينفقونها على الاستشاريين.

في غضون عامين كرئيسة لبنك الإقراض الإيطالي يونيكريديت، خفضت أندريا أوركل الإنفاق السنوي للبنك على الاستشاريين البالغ 150 مليون يورو بأكثر من النصف.

كما استهدف بنك كريدي سويس خفض إنفاقه على الاستشاريين العام الماضي إلى النصف، مقارنة بـ2021 عندما أنفق ملياري فرنك سويسري على الخدمات المهنية بتعيين 16430 مستشارا ومقاولا وموظفا متقاعدا. وخفض أيضا عدد استشارييه الخارجيين بمقدار الخمس في الربع الأخير من 2022. تضم قائمة مستشاري البنك شركة ماكينزي التي قامت بمراجعة إدارة المخاطر وعملت على تجديد أعمال البنك في 2021، وشركة ديلويت التي قدمت استشارة بشأن سياسة أجور العمل.

يقوم نظيره، بنك يو بي إس السويسري، أيضا بخفض الإنفاق على الاستشاريين كجزء من حملته لخفض التكاليف بمقدار مليار دولار بحلول نهاية هذا العام.

أما على الصعيد العالمي، فمن المتوقع أن يتباطأ نمو إيرادات الاستشاريين من 10.8 في المائة في 2022 إلى 7.7 في المائة هذا العام، وفقا لبحث أجرته شركة سورس جلوبال. أبلغت الشركات الأربع الكبرى -ديلويت وإيرنست آند يونج وكيه بي إم جي وبرايس ووترهاوس كوبر- زيادات في إيراداتها العالمية راوحت بين 8 و18 في المائة، في أحدث نتائجها السنوية.

في المملكة المتحدة، قامت “كيه بي إم جي” بنقل الموظفين، بمن فيهم مستشارو الصفقات، إلى أقسام أخرى من الشركة التي يوجد فيها عمل أكثر، حسبما قال أشخاص مطلعون على الأمر لـ”فاينانشيال تايمز”. رفضت الشركة الإفصاح عن عدد الموظفين الذين تم نقلهم، لكنها قالت “إن نموذجها المتبع في الجمع بين خطوط الأعمال المتعددة سيسمح لها بإعادة توزيع الأشخاص في المجالات النشطة من أعمالنا بسبب التغيرات في الاقتصاد”. قالت الشركة “إنها لا تفكر في تسريح موظفيها من المملكة المتحدة”.

إضافة إلى مناقلة الموظفين بين خطوط العمل، زادت ذراع “برايس ووترهاوس كوبر” في المملكة المتحدة من عدد الموظفين الذين كانت تنتدبهم إلى الخارج، بما في ذلك المجالات التي كانت تشهد طلبا متزايدا على المستشارين، كما قال إليس. وتراهن الشركة على أن هذه الترتيبات ستساعد الأعمال التجارية في الشرق الأوسط، حيث أدت المشاريع المدعومة من الحكومات إلى زيادة في الاستشارات، وتحفيز الموظفين على الانضمام إليها أو البقاء فيها. قالت “برايس ووترهاوس كوبر”، “إنها أيضا لا تخطط حاليا لأي برنامج لفصل الموظفين”.

لدى الشركات الأربع الكبرى تاريخ طويل في نقل الموظفين من جزء من أعمالها إلى مكان آخر استجابة للظروف الاقتصادية الصعبة. قال المستشارون في شركات أخرى “إن تحول الشركات الأربع الكبرى و(ماكينزي) و(باين) و(بوسطن كونسالتينج جروب) عن أعمال الصفقات ودخولها في مجالات أخرى مثل الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، والتكنولوجيا وتحسين أداء الشركات المتعثرة، من شأنه أن يزيد المنافسة السعرية”.

قال أحد كبار المستشارين في المملكة المتحدة “إنه سمع عن تقديم بعض المنافسين نصائح استشارية مجانية للعملاء من قبل الموظفين الذين ليس لديهم أي شيء آخر يفعلونه”.

لكن نقل الموظفين بين الأقسام أصبح أكثر صعوبة في الأعوام الأخيرة، حيث أصبح المستشارون أكثر تخصصا في مجالات مثل التنظيم والمخاطر والأمن السيبراني. إذ قال أحد المسؤولين التنفيذيين في الشركات الأربع الكبرى “إن الأمر أكثر صعوبة في التطبيق العملي منه في النظرية”.

قد يعني عدم تكافؤ النمو في الأجزاء المختلفة من الشركات أن بعض خطوط الأعمال تستمر في التوظيف بينما يتم فصل الموظفين في البعض الآخر منها.

تركز تخفيضات الوظائف في شركة ماكينزي بالكامل على الموظفين الذين لا يعملون لمصلحة العملاء بشكل مباشر، مثل العاملين في الموارد البشرية والتكنولوجيا والاتصالات. كانت الشركة تسعى إلى مركزة بعض فرق الدعم بعد التوسع من 28 ألف شخص إلى 45 ألفا في الأعوام الخمسة الماضية، بما في ذلك من خلال سلسلة من عمليات الاستحواذ، حسبما قال شخص مطلع على التفاصيل.

قال كثير من الأشخاص في الصناعة “إن الشركات التي تتجنب برامج الفصل الرسمية للموظفين الذين يتعاملون مع العملاء مباشرة يمكن أن تسعى إلى فصل الأشخاص بشكل أكثر قوة من أعمالها، من خلال تشديد القيود على الحد الأدنى من متطلبات الأداء”. وقالت تشيرنيافسكا “أعتقد أن هذا أمر لا مفر منه”.

خفضت الشركات الاستشارية من تكاليفها الخاصة مثل السفر أثناء الجائحة، لكن هذه الأموال المدخرة تم إنفاقها إلى حد كبير في زيادات الرواتب.

كشفت كل من شركة ماكينزي وباين وبوسطن كونسالتينج جروب عن واحدة من أكبر الزيادات في رواتب الموظفين الجدد منذ أكثر من عقدين في العام الماضي، حيث رفعت الرواتب السنوية الأساسية للموظفين من حملة شهادة الماجستير في إدارة الأعمال في الولايات المتحدة إلى أكثر من 190 ألف دولار.

استند التوظيف السريع في العامين الماضيين إلى معدلات دوران الموظفين المرتفعة، التي تباطأت في الوقت الحالي. إن الاقتصاد الأكثر تباطؤا يعني أن خيارات خروج الموظفين تصبح أقل. كما أن بيئة التمويل الأكثر صعوبة للشركات الناشئة، التي تتنافس بشكل متزايد حول الموظفين مع الشركات الاستشارية، قللت من الخروج الطبيعي للموظفين من الشركات.

قال المدير التنفيذي في إحدى الشركات الأربع الكبرى “لا أحد يقوم الآن بترك وظيفته هنا من أجل إنشاء شركة ناشئة مختصة بالهيدروجين”.

أما السؤال الآخر الموجه إلى الأشخاص الذين يديرون شركات استشارية كبيرة هو إذا ما كان من الممكن المحافظة على الأجور القياسية لمن هم في مرتبة شريك، حيث تجاوزت المدفوعات للشريك البريطاني العادي في شركتي ديلويت وبرايس ووترهاوس كوبر مليون جنيه استرليني في 2022؟

قالت تشيرنيافسكا “إن الأرباح المرتفعة يمكن أن تستمر من خلال إجراء تخفيضات أكبر”، وأضافت أن “الشركات يجب أن تفكر مليا فيما إذا كانت ستحاول تكرار أجور العام الماضي… ما يطلبه العملاء هو الابتكار، وهذا يتطلب المال. لذلك ربما ينبغي للمستشارين قبول أرباح أقل أثناء قيامهم بهذه الاستثمارات الكبيرة”.

زر الذهاب إلى الأعلى