أبرز المواديكتبون

برامج رمضان التلفزيونية مجددًا

سعود كاتب*

ربَّما لأنَّني من جيلٍ كانتْ برامجُ رمضانَ التلفزيونيَّة تعنِي لهُ الكثيرَ، وهِي «حميميَّةٌ» سبقَ لي الكتابةُ عنهَا، وعن التغيُّراتِ التي طرأتْ وتطرأُ عليهَا عامًا تلوَ عامٍ، فإنِّي لمْ أستطعْ مقاومةَ طرحِ هذَا الموضوعِ مجدَّدًا (بتصرُّفٍ) في مقالِي هذَا.

لقدْ ظلَّت حميميَّةُ التلفزيونِ للعائلةِ السعوديَّةِ في رمضانَ قويَّةً ومتماسكةً ومتفوِّقةً لعقودٍ عديدةٍ مضتْ، وتذكُرهَا جيدًا الأجيالُ المتتاليةُ منذُ السبعينيَّات تقريبًا، ببرامجِهَا ومسلسلاتِهَا الرمضانيَّةِ التِي لا تُنسَى، ومنهَا: على مائدةِ الإفطارِ، ومواقف مشرِّفة، والكاميرَا الخفيَّة، وربوع بلادِي، ومسابقات الكبارِ القرآنيَّة، وفوازير الأطفالِ، وغيرها.

وبطبيعةِ الحالِ، تطوَّرَ التلفزيونُ، وتطوَّرتْ برامجهُ، وجاءت الفضائيَّاتُ من كلِّ حدبٍ وصوبٍ، جالبةً معهَا برامجَ مختلفةً بجودةٍ «فنيَّةٍ» أعلَى، ومحتوى أكثر تنوُّعًا. ولكنْ، ومعَ كلِّ ذلكَ، ظلَّت حميميَّةُ التلفزيونِ الرمضانيَّةُ للعائلةِ السعوديَّةِ ثابتةً وقويةً، جالبةً معها ميزانيَّاتِ المعلنِينَ المليونيَّة المتناميةَ عامًا بعدَ عامٍ.

في هذِهِ الأثناءِ، تطوَّر ما كانَ يُسمَّى بـ»طريقِ المعلوماتِ السَّريع»، وحلَّت مرحلةُ «ثورةِ المعلوماتِ» التي غيَّرتْ وجهَ العالمِ، وأحالتهُ إلى قريةٍ صغيرةٍ تبدَّلتْ فيها أُسس الإعلامِ ومفاهيمِهِ، وسقطَ فيهَا «التَّاج» من علَى رأسِ الصحافةِ المطبوعةِ، دونَ أنْ يعرف له مستقرٌّ في هذَا المحيطِ الجديدِ الذي لا تتوقفُ أمواجُهُ ولا تهدأُ.

وبالأسلوبِ نفسِهِ الذِي سقطَ بهِ «تاجُ الحميميَّةِ» من على رأسِ الصحافةِ المطبوعةِ، فإنَّ تاجَ «حميميَّةِ التلفزيونِ الرمضانيَّةِ» للعائلةِ السعوديَّةِ، شارفِ اليوم على السقوطِ، إنْ لمْ يكنْ قدْ سقطَ بالفعلِ.

هذه الحميمية كانت نعمة لا يبدو أن التلفزيون يدرك حقيقة قيمتها بالنسبة له، ولا حقيقة أن زوالها ليس مجرد خسارة مادية إعلانية فحسب، بل هو خسارة لقاعدة التلفزيون الوحيدة الصامدة التي تحميه، وتجمع بقايا ولاء مشاهديه بكافة شرائحهم واهتماماتهم.

التلفزيونُ -للأسفِ- لمْ يولِ هذهِ القاعدةَ مَا تستحقهُ من عنايةٍ ولا تقديرٍ، حيثُ واصلَ -ولا يزالُ يواصلُ- رفضَهُ وتقليلَهُ من أهميَّةِ أصواتِ الانتقاداتِ، وعدم الرِّضَا التي تتعالَى رمضانَ تلوَ رمضانَ، ومجيبًا عليهَا بعباراتٍ استفزازيَّةٍ وغير مهنيَّةٍ مثل: «الريموت في يدِ المشاهدِ»، أو «نسب المشاهدةِ لها رأي مختلف»!.

ومع الغياب شبه التام للدراسات الإعلامية، واستطلاعات آراء وتوقُّعات «العملاء» الموثوقة، سيطر الفكر الذي يتعامل مع التلفزيون على أنَّه «تيك توك»، و»سناب شات»، ومع المشاهد على أنَّه هو ذات مستخدم شبكات التواصل الذي يجذبه التهريج والتسطيح والمياعة المتكلَّفة، والتكرار الممل، وغير المفهوم لكل ذلك عامًا تلو عام. وكانت نتيجة ذلك أنْ خفتت بشكلٍ غير مسبوق نظرات الاهتمام المعتادة نحو شاشة التلفزيون من قِبل أفراد الأسرة على إفطار رمضان، إذْ لمْ يعدْ هناكَ عملٌ جادٌّ يستحقُّ الإنصات، ولمْ تعدْ هناكَ كوميديَا تستحقُّ مجرَّد الابتسامِ، ناهيكَ عن الضَّحكِ.. يُستثنَى -بكلِّ تأكيدٍ- من ذلكَ برامجُ قليلةٌ جيدةٌ تُعدُّ على أصابعِ اليدِ الواحدةِ، تحضرُ سنويًّا لتُنقذَ ما يُمكنُ إنقاذهُ لقنواتِهَا.

هلْ سيتغيَّر ذلكَ هذَا العام، أمْ أنَّ اهتمامَ المشاهدِ ببرامج رمضانَ التلفزيونيَّةِ وصلَ لمرحلةِ اللاعودة؟!.

*كاتب سعودي
نقلاً عن: al-madina.com

زر الذهاب إلى الأعلى