يكتبون

تقاسيم “صناعة النسيان في المسرحيات السياسية”

تحضر المقالة إلى هذه المساحة في الوقت الذي تكون العاصمة النمسوية فيينا انتهت من احتضان المحادثات الرباعية بين وزراء خارجية السعودية والولايات المتحدة وروسيا وتركيا، وجل المتفائلين يعتقدون أن الخط العريض في مجمل الأوراق المتناثرة على طاولات التباحث يقول إن سورية لم ولن تكون صالحة على الإطلاق في وجود رئيس عبر بدولته إلى أسوأ مرحلة سجلها التاريخ. لقاء فيينا والحلول المطروحة والمتأخرة جداً في شأن الأزمة السورية ستكون أشبه بذر الرماد في العيون إذا لم تفصل في الزاويتين المتقابلتين لمنطقة امتلأت بالمآسي والدمار والجراح واللحظات السوداء المريرة التي ستعجز ذاكرة أي عربي حر من تجاهلها أو مسحها ونسيانها، الزاوية الأولى أن الشعب السوري أولاً في كل الخيارات المتاحة للإنقاذ وتلافي ما يمكن تلافيه على رغم قساوة وبشاعة الماضي، والزاوية المقابلة أن استمرار بشار مستحيل مع العلم المسبق والمشاهد والملموس لصعوبة بلع هذه الاستحالة للحليفين موسكو وطهران. ولعل السفير الروسي في السعودية أوليغ أوزيروف يعكس وجهة نظر بلاده في المعارك السياسية الدائرة حين قال إن مصير سورية أهم من بشار الأسد، وإن معايير الحضور الروسي موحدة في اليمن وسورية، متجاهلاً أو نافياً بالأصح أن تكون لدى بلده أطماع توسعية، مع أن الواقع يشرح اعتلاء مصير بشار على خريطة المشهد وكون هذا المصير أكثر أهمية وإرباكاً وإشغالاً لنوايا الدب الروسي وطفله الوديع الإيراني، وعلى هذا المصير يسهر ويستيقظ ويتحرك ويناور الدب والطفل.
العالم متفق على رحيل الطاغية ولكنه اتفاق في إطار الرأي العام العاطفي البحت غير القادر على المضي إلى فعل يجعل لهذا الرأي قيمة وأثراً، في ظل الخلاف الصريح على نوعية هذا الرحيل، وهل هو رحيل يأتي بعد سحق ما تبقى من أجساد الشعب السوري أم رحيل على الأنفاس الأخيرة، لا يهم طبعاً أين يخرج بشار فيما تفاءلنا وغلب الرحيل على الأنفاس الأخيرة لأن منفاه المؤثث مجهز على الحساب الروسي – الإيراني.
أخشى أن تكون المرحلة الانتقالية التي يتم اللعب بها كمصطلح تخديري على الشاشة السياسية في الفترة الأخيرة أشبه بقضيتنا العربية الأشهر «قضية فلسطين»، وحينها ستكون مدن الغرب جميعها مدن محادثات ومشاورات لأكثر من نصف قرن مقبلة، ومدن توصيات وثرثرة بدءاً من جنيف مروراً بفيينا. وربما نتبرع بعاصمة عربية تحتضن مثل هذا النزف الوقتي الممتلئ بكاسات الشاي ومكعبات السكر والوعود الضبابية، لكنه ينثر الملح بعناية على الجراح التي اعتادت أن تكون طرية وعصية على الالتئام.
علمنا الآخرون ماذا تعني المهارة في تذويب أي حماسة وتخدير الانفعال الموقت ومن بعد ذلك كيف يمكن جر عربة ممتلئة بالإجرام والوحشية وانتهاك حقوق الإنسانية إلى غرف التهدئة والتسوية، فيما علمناهم شيئاً وحيداً عالياً وهو ألا يتحدوا شعباً يخسر كل ما يملك من أجل تراب ثمين جداً، وعلمناهم شيئاً هابطاً حد الخيبة وإن كان مصحوباً بإغراء المبتدأ لا الخبر من الجملة ألا هو «صناعة النسيان».

نقلاً عن: alhayat.com

زر الذهاب إلى الأعلى