أبرز المواديكتبون

خيرسون.. نهاية البداية أم بداية النهاية؟

علي المطوع *

“من المضحكات أن يندحر الجيش الروسي في خيرسون بهذه السرعة والبساطة. أكثر المتشائمين لم يكن يتوقع أن تتنازل روسيا عن أبسط أهدافها، فضلا عن أن تنسحب من مقاطعة سبق أن أعلنتها أراض روسية!.

من المضحكات أن كثيرين تصوروا أن روسيا كانت قادرة على حسم صراعها في أوكرانيا، نظرا لكونها دولة تملك السلاح والعتاد والاقتصاد، وكل مقومات الدولة العظمى التي تجعلها قادرة على استدعاء التاريخ ورسم الجغرافيا، وفق مفهوم القوة الذي فرضه بوتين في ذلك المكان، لكن الواقع غير ذلك المفهوم، وأسقط روسيا وقبلها مفاهيمنا البسيطة في واقع جديد، مفاده أن روسيا التي في أوكرانيا ليست روسيا التي تملك السلاح النووي والتاريخ والجغرافيا، روسيا في أوكرانيا كانت تترنح تحت وقع ضربات الأسلحة الغربية المتقدمة، وقبل ذلك الجغرافيا الشاسعة التي أثبتت أن سلاسل تموين القوات الروسية كانت عاجزة عن تغذية وإطعام آلاف الأفواه من الجنود الروس، وكانت نتيجة ذلك أن آثرت قيادتها الانسحاب خوفا من الوقوع في الأسر في أيدي القوات الأوكرانية التي كنا نتوقع في بداية الحرب أنها غير موجودة على أرض الواقع.

خيرسون منعطف مهم في تاريخ شرق القارة الأوروبية، وربما تكون منطلقا لتغيير الجغرافيا في تلك المنطقة، استدعاء كما جرت العادة لحاجات الدول المنتصرة، واستعدادا للتكيف مع الواقع الجديد الذي أثبت أن أمريكا ما زالت الأقوى على مستوى العالم حتى حين!.

الغاز الروسي أخرج من معادلة الحرب بعد تفجير شريانه الرئيسي المعروف بنورد ستريم، والذي ثبت أنه كان شريانا يغذي روسيا بالعوائد المالية، قبل أن يكون مغذيا لألمانيا والغرب الأوروبي بالطاقة النظيفة. وأمريكا كعادتها تسجل (إسكورا) سهلا في مرمى عدوتها روسيا وبطريقتها المفضلة عن بعد، وبوتين منذ أن أعلن استعداده لاستخدام أسلحته النووية ما زال يتحاشى الظهور المكثف كما كان في بداية الحرب، وربما لن يشارك في قمة العشرين المقبلة المزمع عقدها في إندونيسيا هذا الشهر.

من جديد، الأحداث المتسارعة في أوكرانيا تخذل المحللين قبل أن تخذل روسيا والمتخندقين حول مواقفها وأحلامها في إيجاد عالم متعدد الأقطاب. وفي المقابل ما زالت أمريكا تبدو في كامل عافيتها التسلطية، والدليل أنها دحرت القوات الروسية وأحلام قادتها إلى نقطة صفرية لم تكن متوقعة، والغريب في الأمر أيضا أن أمريكا تضغط على الجانبين، الروسي والأوكراني، للجلوس على طاولة المفاوضات للوصول إلى تسوية عاجلة، هذه التسوية كالعادة هي المكاسب التي تضمن لأمريكا العظمى التموضع في شرق القارة الأوروبية، وفق ما ستشكله الأحداث في أوكرانيا من واقع جيوسياسي جديد.”

نقلاً عن: صحيفة مكه

زر الذهاب إلى الأعلى