أهم الاخبارأبرز المواددولي

شيخ الأزهر: ليس من العدل ولا من العلم اتهام الإسلام بأنه دين السيف والحروب

المناطق_متابعات

أكد فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أنه ليس من العدل، ولا من العلم في شيء ما يقال من أن الإسلام دين السيف ودين الحروب، موضحا أن التاريخ يشهد على أن الحرب في الإسلام حالة استثنائية، وضرورة من ضرورات الدفاع عن النفس وعن الأرض والعرض والشرف.

وشدد شيخ الأزهر، خلال كلمته اليوم أمام مجلس الأمن الدولي، على أن المسؤول الأول عن ظاهرة «الإرهاب» التي يبرأ منها الإسلام نفسه قبل غيره، هو سياسات الهيمنة العالمية، والفلسفات المادية، والمذاهب الاقتصادية المتنكرة لضوابط الأخلاق.

ودعا شيخ الأزهر في كلمته لإطفاء الحروب العبثية التي اندلعت في العقود الأخيرة، ولازالت تندلع في منطقـتــنا وفي عالمنا حتى هذه اللحظة، كحرب العراق، وحرب أفغانستان وما خلفته من مآس وآلام وأحزان، طوال عشرين عاما، وما شهدته سوريا وليبيا واليمن، من تدمير لحضاراتهم العميقة، الضاربة بجذورها آلاف الأعوام في عمر التاريخ، وصراعات الأسلحة على أراضيهم، وفرار أبنائهم ونسائهم وأطفالهم، من هول حروب لا حول لهم فيهم ولا قوة.

وعن القضية الفلسطينية، قال شيخ الأزهر: “أتحدث عن مقدساتي ومقدساتكم في فلسطين، وما يكابده الشعب الفلسطيني من غطرسة القوة، وقسوة المستبد، وآسى كثيرا لصمت المجتمع الدولي عن حقوق هذا الشعب الأبي”، داعيا مجلس الأمن والمجتمع الدولي للإسراع اليوم قبل الغد إلى إقرار دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وحماية المسجد الأقصى الشريف من الانتهاكات التي يتعرض لها يوما بعد يوم.

وحذر الإمام الأكبر من تفاقم أزمة الحرب الدائرة على الحدود الشرقية لأوروبا، وما تثيره من رعب، وتبعثه من خوف وقلق، من أن تعود هذه الحرب بالبشرية إلى ما قبل العصر الحجري، داعيا المجتمع الدولي إلى وقف فوري لهذه الكارثة وحماية الأبرياء من سفك الدماء وخراب المدن وتدمير القرى.

ودعا شيخ الأزهر لضمان حقوق اللاجئين الهاربين من جحيم الحروب، في إنقاذهم واستضافتهم، مؤكدا أنها الحقوق التي ضمنتها لهم الشرائع والأديان الإلهية، أيا كان دينهم، أو حتى كانوا من اللادينيين، لافتا إلى ضرورة الاهتمام بقضايا الأسرة، وما تعانيه من مصادرة حقوق الطفل في التمتع بأحضان أمهاتهم اللائي ولدنهم، بالإضافة إلى ما تعانيه البيئة من خراب وعن التلوث وفيضانات البحار واشتعال الغابات.

وقال فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، لأعضاء مجلس الأمن الدولي بالولايات المتحدة الأمريكية في بداية كلمته: إني أُخاطبُكم اليوم من «مِصْرَ»: واحَة السَّلام ومُلْتقى الأديان، وبلد الحضارة والتاريخ، والأمن والأمان، وإنَّه ليسعدني أنْ يأتيَ حديثي إلى حضراتكم تلبيةً لدعوةٍ عزيزةٍ من دولة الإمارات العَرَبيَّة المتَّحِدَة، بصفتها عضوًا منتخبًا ورئيسًا للدورة الحالية لمجلس الأمن، تلكُم الدولةُ العربية الإسلامية التي لا تدَّخِر وُسْعًا في بذلِ كل جهدٍ مخلصٍ لنشر السَّلام بين الناس، وترسيخ مَبادئَ الأُخوَّة الإنسانيَّة والتسامح والعَيْش المُشْتَرك.

وحيى شيخ الأزهر خلال كلمته عبر الكونفرانس بمجلس الأمن الدولي بالولايات المُتَّحِدَة الأمريكيَّة والتي جاءت تحت عنوان: «أهميَّة قِيَم الأُخوَّة الإنْسَانيَّة في تَعزيزِ السَّلام والحِفاظ عَلَيْه»، السيد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيريش، لإيمانه الواضح بأهمية دور الأديان وقيم الأخوة الإنسانية في تحقيق السلام العالمي، مضيفا أنه بحسباني رَجُلٌ شَرْقيٌّ مُسْلِمٌ، لا ينتمي إلى أي من التيارات السياسية على اختلاف مواطنها ومذاهبها ولا يتبنى أيَّة أَيديُولوجية من أيديولوجيات اليمين أو اليسار، أُحِبُّ السَّلام، أَبْحَثُ عنه وأتطلَّعُ إليه وأتمنَّاه للناس جميعًا، وأَشْعُرُ شعورًا عميقًا بأخوَّةٍ إنسانيَّةٍ تربطني ببني البَشَر جميعًا، على اختلافِ ألوانهم وأديانهم وعقائدهم ولُغاتهم.

وأوضح فضيلته أنه تَعلَّم هذه المبادئ والقيم من الدِّين الإسلامي، ومِن الكُتُب الإلهيَّة التي أنزلها الله على أنبيائِه ورُسُلِه، وآخرها القرآنُ الكريمُ الذي نزلَ على نبي الإسلام محمد، فكلها تُجمعُ على أنَّ اللهَ كَرَّم بني آدم وفضَّلَهم على كثير من مخلوقاتِه، وأنَّه خَلَقَهُم مُختَلفينَ في لُغاتِهم وألوانِهم وأديانهم وعقائدِهم، وأنَّ هذا الاختلاف باقٍ فيهم إلى آخر لحظةٍ في عُمْرِ هذا الكَوْن، وأنَّ محاولات اصطفاف الشُّعُوب خلف دينٍ واحدٍ، أو ثقافةٍ أو حضارةٍ واحدة – مُحاولات مقضي عليها بالفَشَلِ الذَّريع، طالَ الزَّمن أو قَصُر، لأنَّها تسبح ضِدَّ إرادة خالق العباد، والعليم بما يصلحهم وينفعهم، وقد أَخْبَرَ الله عن نَفْسِه في القُرآن أنَّه: ▬غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف: 21].

وبيّن شيخ الأزهر أنَّ قانون الاختلاف هو حَجَر الزَّاوية في مَفهومِ الخَلْق الإلهي للإنسان بكل ما يستلزمه من حُقُوقٍ وواجباتٍ، حدَّدها القرآن في وضوحٍ لا لَبْسَ فيه؛ في مُقدِّمتها: حق حُريَّة الاعتقاد، وحق حُريَّة الرأي، وواجب المسؤوليَّة الفَرْديَّة والأُسَريَّة والمجتمعيَّة، لذلك حرَّم القرآن كل ما يُصادِر هذه الحقوق أو يعبث بحرمتها، حتى إنَّه ليحرِّم أيَّة ممارسة لإجبار الناس على تغيير عقائدهم وأديانهم.

وتابع رئيس مجلس حكماء المسلمين، أن مَن يَقْرَأ القرآن قراءةً موضوعيَّةً محايدة تُطالعه النُّصُوص الآتية: لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ♂ [البقرة: 256]، فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ [الكهف: 29]، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: 22]، ومَن يقرأ سُنَّة النَّبي مُحمَّد صلى الله عليه وسلم تُطالعه رسالته الواضحة في التأكيد على حرية الإعتقاد «مَنْ كَرِهَ الْإِسْلَامَ مِنْ يَهُودِيٍّ، أَوْ نَصْرَانِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يُحَوَّلُ عَنْ دِينِهِ…».

وأردف فضيلته أنه لأَمْرٌ مَنْطِقيٌّ أنْ يتأسَّس على قانون الاختلاف وتقريره أنَّ تكون العلاقةَ بين المختلفين: دينًا ولُغةً وثقافةً وحضارةً -علاقةَ «أمن وسلام»، عبَّر عنها القرآن: بعلاقة «التَّعارُف»، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا [الحجرات: 13]، فاتَّخذَ منها قانونًا إسلاميًّا يَحْكُم العلاقات الدوليَّة بين الأمَمِ والشُّعوب.

وأكد شيخ الأزهر أنه غَنيٌّ عن القَولِ أنَّه في ظلِّ النَّظَريَّة القُرآنية في العلاقات الدولية: لا مكانَ لنظريَّاتِ الصِّدام والصِّراع، ولا لنظريَّة العِرْق، ولا لنظريَّة رسالة الرَّجُل الأبيض وهَيْمَنته على باقي عبادِ الله، واستعمار بلادهم واستنزاف خيراتهم.. فقط علاقةُ «السَّلام» بينَ النَّـاس هي ما يعتمده الإسلام، وسائر الأديان الإلهيَّة من قَبلِه.

زر الذهاب إلى الأعلى