أبرز الموادالاقتصاد

ضغوط العلاقات الأمريكية – الصينية ترغم «سيكويا» على هجر آمالها

المناطق_متابعات

عندما كانت شركة سيكويا كابيتال تشاينا تجمع تسعة مليارات دولار للاستثمار في الشركات الناشئة في الدولة العام الماضي، كانت هيلين هوانج من بين أولئك الحريصين على دعم مجموعة رأس المال المغامر.
قالت المستثمرة في الأسهم الخاصة في شركة ماس بي آر آي إم، التي تدير 100 مليار دولار من المعاشات التقاعدية لموظفي ولاية ماساتشوستس ومعلميها: “لن تفصل الصين أسواقها عن الأسواق العالمية”.

وفقا لمحضر مجلس إدارة صندوق التقاعد الأمريكي من أيار (مايو) العام الماضي، الذي قدم إلى “فاينانشيال تايمز” بناء على طلب للاطلاع على السجلات العامة، أوصت هوانج “ماس بي آر آي إم” باستثمار 150 مليون دولار في “سيكويا تشاينا”، مشيدة بقدرة المجموعة على “قراءة الإشارات من صنع السياسات واللوائح”.

قالت ديبراه جولدبرج وزيرة الخزانة عن تقييم المخاطر المقدم من هوانج بحماس: “ممتاز! هل يمكنني استخدام كلمة ممتاز؟”. صوت جميع أعضاء مجلس إدارة معاشات التقاعد التسعة الحاضرون لمصلحة الصفقة.

بعد أكثر من عام بقليل، أدى تدهور العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى تعجيل تفكك “سيكويا”، ما أدى إلى تحطيم رؤية أن إحدى إمبراطوريات رأس المال المغامر الأكثر نجاحا في العالم يمكن أن تواصل نجاحها في ظل الجغرافيا السياسية الصعبة للاستثمار عبر أكبر سوقين في العالم.

قالت مجموعة وادي السيليكون الثلاثاء إنه سيتم اقتطاع عملياتها في الولايات المتحدة وأوروبا من ذراعها في الصين، التي يديرها نيل شين المستثمر الشهير الذي قاد استثمارات مبكرة في “علي بابا” والشركة الأم لتيك توك، بايت دانس.

ستحمل الوحدة الصينية اسم “هونجشان”، ترجمة صينية لـ”سيكويا” وتبقى مسؤولة عما يقارب 56 مليار دولار من الأصول المدارة. ستشكل وحدة “سيكويا” في الهند وجنوب شرق آسيا كيانا ثالثا. ستطبق التغييرات بحلول شهر آذار (مارس) من العام المقبل.

في مقابلة مع “فاينانشيال تايمز”، أشاد رولوف بوتا رئيس “سيكويا كابيتال” بنجاح الكيانات الحديثة المنفصلة: “عندما انضممت إلى سيكويا في 2003، لم تكن هذه الشركات -في الصين والهند- موجودة. إنها الآن شركات مزدهرة في فئاتها الخاصة”.

وقال “إن تقسيم سيكويا إلى ثلاثة هو أبسط طريقة لمنع الكيانات الثلاثة ذات الطموحات العالمية من الاحتكاك ببعضها بعضا”.

لكن بوتا رسم أيضا مقارنة تاريخية معبرة لوصف مدى تغير ظروف الاستثمار. وقال: “عدد الأعوام التي انقضت منذ شروعنا في هذا هو نفسه بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية”.
أصبح الاستثمار في الصين معقدا بشكل متزايد للمؤسسات الأمريكية عموما، لكن النمو القوي لـ”سيكويا تشاينا” على مدار العقد الماضي وقاعدة مستثمريها الدوليين جعلا الاستثمار معرضا للخطر بوجه خاص.

واجهت “سيكويا تشاينا” تدقيقا سياسيا متزايدا في الولايات المتحدة بسبب استثماراتها في الشركات الصينية التي تزعم واشنطن أنها تشكل خطرا على الأمن القومي، بما فيها شركة دي جيه آي لصناعة الطائرات دون طيار الخاضعة لعقوبات وشركة ديب جلينت الناشئة للذكاء الاصطناعي، حيث اتهمت بتسهيل مراقبة الأويجور في شينجيانج.

أصبح دعم “سيكويا تشاينا” لـ”بايت دانس” مشكلة أيضا، حيث هددت الولايات المتحدة بحظر تطبيقها للتواصل الاجتماعي المنتشر في الدولة، إضافة إلى الجدل الذي يعقد خطط الطرح العام الأولي للشركة التي تقع في بكين.

تدرس إدارة بايدن من جهتها آلية فحص الاستثمار لوقف تدفق رأس المال الأمريكي إلى المجموعات الصينية في القطاعات الحساسة مثل أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي.

طالما شددت “سيكويا” على أن الكيانات الأمريكية والأوروبية، والكيانات الصينية والهندية تعمل “بملكية وعملية اتخاذ قرارات استثمارية مستقلتين”. لكن العلامة التجارية المشتركة التي جذبت المستثمرين العالميين إلى كل وحدة جغرافية أصبحت أخيرا نقطة جذب للنقاد الذين يربطون مستثمرا أمريكيا بارزا بشركات صينية مثيرة للجدل.

قال أحد المسؤولين التنفيذيين في صندوق في وادي السيليكون: “سيكويا ناجحة في كلتا المنطقتين الجغرافيتين بشكل مستقل. لكن لا يمكنك أن تتودد إلى رئيس الولايات المتحدة ولديك استثمارات يمكن أن يسيطر عليها الحزب الشيوعي الصيني. الجغرافيا السياسية جعلت الحصول على هذا الانكشاف أمرا مستحيلا، لذا قطعوه في النهاية. أما الهند، فعلى ما أعتقد، هي ضرر جانبي”.

في جزء من الانقسام، ستنهي “سيكويا” ترتيبات تقاسم الأرباح مع كياناتها الصينية والهندية. سمحت هذه الترتيبات للشركاء الأفراد في الكيانات بالمشاركة في المكافآت عندما تباع الشركات في محفظة كيان آخر أو تطرح للاكتتاب العام.

كما أدى الانقسام إلى حل الشراكة التي جعلت شين مليارديرا، في حين يزيد شركاء “سيكويا” ومستثمروها في الولايات المتحدة ثراء. صمم هذا الهيكل لإيجاد مصلحة مشتركة في نجاح المجموعة العالمي، لكن يبدو أن أرباح شين الضخمة من الصين قد غيرت الديناميكية.

قال شخصان مقربان من شين “إنه بدأ يشعر بالاستياء تجاه ما عده مساهمات الصين الضخمة في تجمع تقاسم الأرباح”، وقال أحد الأشخاص إن شين “كان يحرض على الاستقلال فترة طويلة”. وقالت “هونجشان”، “إن الانقسام كان قرارا جماعيا اتخذ أخيرا”.

وفقا لشخص لديه معرفة مباشرة بترتيبات تقاسم الأرباح في “سيكويا”، فإن شركة الولايات المتحدة وأوروبا قد حصلت على نسبة أكبر من إجمالي التوزيعات إلى التجمع عموما.

لم تقدم “سيكويا” تفاصيل دقيقة عن تقاسم الأرباح. قالت “إن الترتيب كان مصمما دائما بحيث تحصل الكيانات الإقليمية في نهاية المطاف على أرباح تتناسب مباشرة مع مساهمتها في تجمع الأرباح”.
سينهي التفكك أيضا واحدة من ممارسات الموظفين في إحدى مناطق “سيكويا” بالاستثمار إلى جانب الاستثمار في صناديق منطقة أخرى، استراتيجية كانت مربحة للشركاء الذين وضعوا ثرواتهم الشخصية للعمل في الخارج.

مثلا، أشرك شين صندوق النمو العالمي لـ”سيكويا” في مجموعة التجارة الإلكترونية الصاعدة بيندودو في جولة تمويل مبكرة. تظهر الملفات أن دوج ليون قائد “سيكويا” السابق للولايات المتحدة، قد سيل بالفعل نحو ثمانية ملايين دولار من أسهم “بيندودو”.

تزايدت تحديات “سيكويا” حيث قادت بكين حملة ضد مجموعات الإنترنت الاستهلاكية، وتركت أصحاب رؤوس الأموال المغامرة الصينيين يطاردون قطاعات حساسة تتماشى مع أولويات الحكومة في قلب التنافس بين الولايات المتحدة والصين.

قال أحد المستشارين لشركة “إل بي” في الصين “على مدى العامين الماضيين، واجهت سيكويا ضغوطا كثيرة من الجانب الأمريكي على أعمالها في الصين. الانقسام يعني أن نيل يمكنه الآن العثور على الصفقات المناسبة والاستثمار دون القلق بشأن الضغط السياسي من الولايات المتحدة”.

وصفت “هونجشان” التعليق بأنه “عار من الصحة تماما” وقالت “إنه مع وجود قاعدة كبيرة من الشركاء المحدودين من الولايات المتحدة، فإنها ستستمر في الالتزام ببروتوكولات الامتثال الصارمة”.

ربما تغيير القادة في “سيكويا”، باستبدال ليون “المسؤول الكبير” السابق ببوتا في القمة العام الماضي، جعل “سيكويا” أقرب إلى الانفصال، وفقا لاثنين من أصحاب رؤوس الأموال المغامرة اللذين استثمرا خلال فترتيهما.

كان ليون من أبرز المؤيدين للعلاقة الوثيقة مع الصين باعتباره “الرجل الذي شجعها”، وفقا لأحد المستثمرين. وأضاف أن بوتا “ليس لديه اهتمام كبير”.

قالت “سيكويا”، “إن قرار الانقسام اتخذه خمسة من قادة المجموعة الحاليين، بمن فيهم بوتا وشين، الذين قرروا جميعا أن الفوائد لم تعد تفوق التكاليف”.

ستترك “هونجشان” التي يقودها شين الآن واقفة بمفردها حيث تتقرب من المؤسسات للحصول على تمويل جديد في غضون بضعة أعوام. للتحضير لهذا التحدي، تولى فريق شين إدارة العلاقات مع شركاء محدودين وإقامة أنشطة جمع التبرعات داخل الشركة.

عندما جمعت “سيكويا تشاينا” تسعة مليارات دولار العام الماضي، جاء نصفها من مستثمرين أمريكيين مثل “ماس بي آر آي إم” وشركة إدارة الاستثمار في جامعة تكساس ووقف من جامعة واشنطن، وفقا لـ “بيتش بوك”.

لإرضاء مستثمريها الأمريكيين، بدأت “سيكويا تشاينا” في استشارة خبراء السياسة الخارجيين قبل الموافقة على الاستثمارات الحساسة. قال شخص مطلع على أنشطتها “إن المجموعة أبطأت أيضا وتيرة استثمار تسعة مليارات دولار التي جمعتها حديثا”.

أدت خطوة “سيكويا” إلى أن تنظر شركات رأس المال المغامر الأخرى في الولايات المتحدة في انكشافاتها للصين. سأل شريك في مجموعة رأسمال مغامر منافسة: “هل هذا نذير لأشياء مقبلة؟ الصناديق التي كانت لديها طموحات عالمية، هل تغير استراتيجيتها؟”.

زر الذهاب إلى الأعلى