المنطقة الشرقية

مجلة الاقتصاد: المال الجريء .. “القاطرة” الضرورة للاستثمار

ضمن خطط تسريع التحول إلى نهج اقتصاد السوق، وافق مجلس الوزراء مطلع أغسطس الماضي، على قيام صندوق الاستثمارات العامة، ووزارة التجارة والاستثمار بتأسيس صندوق قابض من فئة “صندوق الصناديق” برأسمال 4 مليارات ريال يهدف إلى الاستثمار في صناديق رأس المال الجريء والملكية الخاصة، وفق أسس تجارية لدعم وتحفيز الفرص الاستثمارية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. كما وافق المجلس على قيام وزارة التجارة والاستثمار بإنشاء جمعية مهنية تُعنى برفع مستوى الاحترافية في قطاع رأس المال الجريء والملكية الخاصة. وفي أكتوبر الماضي أعلنت هيئة السوق المالية عن تعديلات على لائحة الأشخاص المرخص لهم، لدعم صناعة إدارة الأصول وتطوير استثمارات قطاع رأس المال الجريء والملكية الخاصة.

مجلة “الاقتصاد” الصادرة عن غرفة الشرقية في عددها لشهر مارس ألقت الضوء على مصطلح رأس المال الجريء أو المغامر وذكرت أن هذا المصطلح ظهر في منتصف القرن المنصرم، وتحديدا في 1941 في خضم معاناة اقتصادات الدول من تأثيرات الحروب العالمية، وبحث قطاعات الأعمال والمشروعات عن التمويل ليجدوا في هذا النوع جزءا يمكن أن يسد ثغرة الإشكالات المالية التي عاشتها الاقتصادات الغربية ليبلغ نضجه في الثمانينيات الميلادية.

وقالت “الاقتصاد” في تقرير لها حول هذا الموضوع أن وزير التجارة والاستثمار الدكتور ماجد القصبي أوضح أن الاعتماد المخصص من الدولة، للاستثمار في صناديق رأس المال الجريء، يشكل حجما اقتصاديا كبيرا، يمكنه دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ورفع معدل نمو الناتج المحلي من غير الصادرات النفطية، إضافة إلى تعزيز الابتكار وتوطين التقنية. وأن القرار جاء لتفعيل دور القطاع الخاص، وزيادة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، من خلال تحفيز الاستثمارات المتعلقة برأس المال الجريء والملكية الخاصة، وفق أسس تجارية لدعم وتحفيز الفرص الاستثمارية للمنشآت الصغيرة والمتوسطة .

وذكر القصبي أن العمل يجري في الوزارة حاليا لتنظيم اللوائح الخاصة بالجمعية وأهدافها وآلية عملها، بما يمكّنها من أداء مهماتها، إضافة إلى القيام بالاشتراك مع الجهات ذات العلاقة، لاقتراح ما يلزم من تنظيمات أو إجراءات أو ترتيبات، لتيسير ممارسة قطاع رأس المال الجريء والملكية الخاصة لنشاطاته، وإزالة العوائق النظامية والإجرائية التي تواجهه. وبين أن صدور هذا القرار يعتبر رافدا أساسيا في تعزيز قدرة وتمكين المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتشجيع رواد الأعمال ودعم مبادراتهم ومشاريعهم بما يتوافق مع خطة التحول الوطني ٢٠٢٠، مؤكدا أن هذا الدعم الكبير سيرفع مساهمة صناديق الرأس المال الجريء والملكية الخاصة، وزيادة تدفق استثماراتها إلى المنشآت الصغيرة والمتوسطة والناشئة، إضافة إلى تحفيز وتوجيه الاستثمار في تلك المنشآت، مما سيسهم في رفع معدلات نمو الناتج المحلي ورفع الصادرات غير النفطية. موضحا أن هذا التوجه سيكون محفزا للمناخ الاستثماري في قطاع المنشآت الصغيرة، بما يؤدي لتحفيز الابتكار، وتشجيع رواد الأعمال في المملكة، وتمكينهم من الحصول على فرص استثمارية تعزز من تحويل مشاريعهم الناشئة إلى مستوى أعلى، والمساهمة في عملية توطين التقنيات والصناعات والمحتوى، كما سيخلق هذا الدعم فرصاً وظيفية ذات نوعية في قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة.

وذكر التقرير أن رأس المال الجريء هو رأس المال المقدم للمنشآت الناشئة والواعدة ذات إمكانيات النمو العالية، وأن أصحاب رأس المال الجريء يتملكون حصصا في المنشآت التي يستثمرون فيها، مقابل المخاطر المحيطة بالاستثمار، إضافة إلى العوائد المتوقعة منها. وهؤلاء المستثمرون يقومون بأدوار إدارية فعالة في هذه المنشآت غالبا، موضحا أن حجم الاستثمار الجريء في المنشآت يختلف بحسب حجمها ورأس المال اللازم لنموها، حيث أن بعض الاستثمارات يأتي من أفراد ولكن أغلبها ممول من شركات استثمارية تبحث عن الفرص الاستثمارية الناجحة، بعد تتبع المراحل المختلفة لتطور الشركة.

ويضيف التقرير أن المرحلة الأولى حينما يكون الاستثمار في طور الأفكار، حيث يقع الاختيار على الأفكار الجديدة، والتي لم تطرح في السوق من قبل للاستثمار فيها، ثم تأتي المرحلة الثانية باستخدام رأس المال لتطوير منتجات المنشأة والتسويق، أو البدء في المبيعات الأولية، مشيرا إلى أن بعض النماذج الاستثمارية في هذه المرحلة تقدم للمنشآت خدمات غير مادية، كالتسويق أو الموارد البشرية.

ويقول التقرير إن رأس المال الجريء قد يأتي للاستثمار في مراحل متقدمة لمنشآت قد بدأت التشغيل الفعلي، لكنها لم تصل لمرحلة تحقيق الأرباح، حيث يكون الغرض من الاستثمار في هذه المرحلة تقديم دعم مادي يسمح للمنشأة بالتوسع وتحقيق نمو ونجاح حقيقي، موضحا أن بعض الاستثمارات الصغيرة تهتم بتأسيس المنشأة في مراحلها الأولية بالرغم من أن الأدلة التي قد توجههم إلى الخطة الاستثمارية الأفضل لهم تعد قليلة.

وتوقع التقرير أن يساهم صندوق الصناديق في الناتج المحلي بنحو 400 مليون ريال بنهاية 2020، وتوفير أكثر من 2600 وظيفة، فيما يتوقع أن تصل مساهمته في الناتج المحلي إلى نحو 8.6 مليار ريال، في وقت سيوفر قرابة 60 ألف وظيفة بنهاية 2027. ووفقا لهذه المعلومات، يتأكد يوما بعد يوم أن القطاع المالي الاستثماري هو مناط الأمل الجديد في الاقتصاد السعودي، لدعم تنويع مصادر الدخل وضخ مليارات الريالات سنويا لخزينة الدولة.

وتطرق التقرير إلى أن صندوق الصناديق الغرض منه ليس العائد الاستثماري، وإنما العائد الاقتصادي، وهنا لابد من ربطه برؤية المملكة المعتمدة على زيادة مساهمة القطاع الخاص من 3.5 إلى 5.7%، مشيرا إلى تقديراته بأن هذا الصندوق يقع تحت هذا الهدف، وعليه فلا يرجح أن يكون الهدف هو جني عوائد لمساهمي هذا التمويل، بالقدر الذي يعول عليه في تقديم أثر اقتصادي، كخفض معدل البطالة على سبيل المثال.

ودعا التقرير إلى أن يوجه التمويل الجريء إلى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتشجيعها وتحفيزها لتستفيد منه، لافتا إلى أن هذا التنظيم المتعلق بنشاط رأس المال الجريء يأتي في وقت تعاني منه قطاعات الأعمال الناشئة من إيجاد تمويل عبر المصارف والبنوك التي تفرض قيودا ومؤشرات مشددة على هذا النوع من المشروعات الصغيرة والواعدة، حتى تعتمد التمويلات.

كما تطرق التقرير إلى ملف الكفاءة البشرية وقال إنه يمثل عنصرا حيويا، ولابد من إعادة التفكير الجدي فيه عند الحديث عن رأس المال الجريء. وطرح نموذج التنفيذي المتقاعد ليكون موضع ثقة الشركات الكبرى، مثل أرامكو وسابك والاتصالات وغيرها عند تأسيس صندوق لاستثمار المال الجريء في المجال الذي يجيده هذا المدير التنفيذي، مشيرا إلى أن مثل هذه الكفاءات المؤهلة ليست بحاجة لرسوم إدارية عالية، حيث أن تكلفة الفرصة البديلة لها منخفضة في وقت سيمارس دورا مهنيا اجتماعيا في ذات المجال.

وذكر التقرير أن هذا النموذج أقرب للنجاح، لسهولة استقطاب رؤوس الأموال، بحكم الخبرة، والعلاقات السابقة، والقدرة على إرشاد الشركات ومساعدتها على النمو، مفيدا أن عددا من صناديق رأس المال الجريء في أمريكا، خلال السبعينيات الميلادية، بدأت بهذه الطريقة ومازالت حتى الآن. والميزة الأخرى في نموذج التنفيذي المتقاعد هو أن خبرته ليست في البنوك أو المالية فقط، وإنما في صميم عمل الشركات الناشئة، حيث تمكنه خبراته المتراكمة والمكتسبة، في التأسيس والنمو والتوظيف والبنية التحتية، من تقديم بيئة نجاح لتلك المشروعات الواعدة.

زر الذهاب إلى الأعلى