تقاريردولي

“محاربة الإرهاب” دعاية صنعها الغرب وتذرع بها الروس لحماية الأسد

وتيرة الأحداث على الأرض السورية تتسارع بشكل دراماتيكي، بعكس الوضع السياسي الذي يراوح مكانه في أروقة المؤسسات الدولية والإقليمية منذ 4 سنوات، إذ جاء إعلان ناشطين عن رصد قصف سلاح الجو الروسي مواقع عسكرية للجيش الحر في مدينة حمص يوم الأربعاء، ليشكل نقطة التحول التي سيكون لها تأثير كبير في مسار الأزمة السورية، في الوقت الذي أكدت فيه وزارة الدفاع الروسية القصف لكنها قالت إنه استهدف “داعش”، الحجة التي برر بها الرئيس الروسي تدخل بلاده في سوريا عسكرياً.

– الحرب على الإرهاب.. شمّاعة

منذ اللحظة الأولى التي انطلقت فيها الثورة السورية عام 2011 أعلنت روسيا وقوفها بجانب النظام السوري ضد الثورة، وترجمت هذا الموقف بدعم سياسي في المحافل الدولية ودعم عسكري ولوجستي، إلا أن التحول الكبير الذي حدث خلال الشهر الجاري هو رصد العناصر الروسية العسكرية على الأرض السورية ورصد معدات عسكرية في منطقة الساحل لأول مرة، رافق ذلك تصريحات روسية متواترة عن ضرورة أن يكون بشار الأسد ضمن حلف لمقاتلة الإرهاب المتمثل بتنظيم “الدولة”، وأن وجوده “ضمانة للقضاء على الإرهاب” بحسب الرئيس الروسي.

من جانبها قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية نقلاً عن بيان صادر عن رئاسة الجمهورية: إن “إرسال القوات الجوية الروسية إلى سوريا تم بطلب من الدولة السورية عبر رسالة أرسلها بشار الأسد للرئيس فلاديمير بوتين تتضمن دعوة لإرسال قوات جوية روسية في إطار مبادرة الرئيس بوتين لمكافحة الإرهاب”.

وعلى صعيد متصل، نقلت وكالة رويترز عن بوتين قوله إن التدخل الروسي في سوريا مؤقت، وأضاف أن دعم الأسد سيكون جواً ولن تنفذ القوات الروسية أي عمليات برية.

– معارضة “بشار” إرهاب

اللافت أن أول عملية عسكرية نفذها الجيش الروسي هي ضد المعارضة “المعتدلة” فعلياً والتي يعترف بها العالم، في حين يدعي أن هدفه هو مكافحة الإرهاب، وفي ذلك رسالة ضمنية للقوى الغربية أن روسيا تقف خلف تصريحاتها باعتبار المعارضة ضد بشار الأسد “إرهاب”، وأنها لن تسمح بسقوطه وستحارب بجانبه فعلياً.

في المقابل لم تحرك القوى الغربية أي طائرة أو رصاصة ضد نظام بشار الأسد بالرغم من قمعه الدموي للثورة في بلاده، ما أدى لمقتل مئات الآلاف، إلا أن ظهور تنظيم “الدولة” المريب في ذروة الثورة وتقدمه كان الداعي ليتحرك الغرب عسكرياً في سوريا ليس ضد نظام الأسد، إنما ضد “الدولة” والذي هو نتاج لسياسات الأسد بحسب المراقبين والمعارضين السوريين.

الضربات الروسية ضد المعارضة لم تغير من الموقف الأمريكي تجاه سياسة “محاربة الإرهاب”، إذ أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن الضربات الروسية في سوريا لن تغير شيئاً في المهمات الجوية التي تقوم بها الولايات المتحدة والتحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة” في هذا البلد، وخصوصاً العمليات الجوية بشكل خاص.

– محاربة الإرهاب طوق نجاة الأسد

المراقب للمشهد السوري الميداني يلحظ أن جيش النظام السوري متهم بأنه سهّل سيطرة مقاتلي تنظيم الدولة على الكثير من المناطق الشاسعة التي ضمها التنظيم لنفوذه؛ في الوقت الذي ركز كل قوته في مقارعة قوى المعارضة.

السياسة الغربية تجاه النظام السوري، اكتفت بالتهديد والوعيد دون تحرك حقيقي على الأرض، إلا أن التحرك ضد تنظيم “الدولة” بحجة محاربة الإرهاب كان فورياً بتشكيل التحالف الدولي لمحاربته مع بدء عمليات جوية منذ العام الماضي على مواقعه في سوريا والعراق.

وليكتمل المشهد، دخلت الدولة الروسية أيضاً على خط “محاربة الإرهاب” في سوريا، وتبدأ عملياتها على الأرض بتحالف جديد محوره روسيا إيران وبتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي، لتكون كل قوى المعارضة للنظام هدفاً لنيران طائراتها الحربية، ليبقى النظام بمنأى عن أن يكون هدفاً لأي تحرك غربي كان أو روسي.

يقول مراقبون، إن نتاج السياسات الغربية تجاه نظام الأسد منذ بداية الثورة كانت كارثية على الشعب السوري وجعلته الحلقة الأضعف، وساهمت في استمرار نزيف الدم والبشر والحجر، ما أفسح المجال أيضاً لروسيا لأن تلعب دوراً مباشراً على الأرض السورية، ليلتقي هذا الدور مع الدور الغربي في حماية نظام الأسد من السقوط ومنع المعارضة المسلحة التي تعبر عن نبض الشارع السوري من تحقيق نصر يوصل الثورة لهدفها بإنهاء حكم الأسد.

ويبقى القالب السياسي والعسكري الأبرز للتصريحات والأفعال الغربية والروسية هو “محاربة الإرهاب” والذي يمكّن كل طرف لأن يجمع ما يشاء فيه من مكونات الأزمة السورية، إلا أن أياً منهم لم يضع نظام الأسد ضمن هذا القالب ليكون في أمان.

زر الذهاب إلى الأعلى