أبرز الموادثقافة وفنون

فارق الدنيا بتاريخٍ حافل وإرثٍ كبير ودعاء بلغ الآفاق.. محمد الدحيمي “أخو تكفى” يرحلُ وهو باقٍ في القلوب

المناطق_النماص

النجوم في السماء تلمع، وهكذا بعض البشر على هيئة النجوم، تتألق في حياتها، وتظل تلمع بعد رحيلها؛ نتألم لفراقهم ونتصبر بإرثهم الذي تركوه بيننا.

رحل الشاعر محمد بن رافع الدحيمي الشهري “أخو تكفى” عن مسيرة ناصعة وإرثٍ كبير؛ ومفردة تفرّد بها عن غيره، امتلك قوةً في الوصف؛ وقوة في المعنى؛ أبدع في الحبكة الشعرية؛ والحكمة وجمال الصورة؛ بعيدًا عن وهج الإعلام والأضواء والبحث عن الشهرة وحب الظهور.

حجز محمد الدحيمي مقعده في الصف الأول مع القامات الشعرية بالمملكة العربية السعودية والخليج العربي، وبلغت قصائده الأفاق وتردد على الألسنة في المجالس شرقًا وغربًا، ولم لا وهو صاحب أفضل بيت في الشعر النبطي، حيث دار هذا البيت المجالس والحكايات والقصص؛ حتى نسبه العشرات لأنفسهم؛ لقوته ومعناه.

لقد كان مولد “محمد الدحيمي” في عائلة سعوديّة عاشقة للشعر داعمٌ لمسيرته كواحد من أشهر الشعراء ليس في المملكة فحسب، بل في جميع أنحاء الخليج العربي؛ فقد كان والده “رافع الدحيمي” من أقوى الشعراء وأجملهم وخاصة في الشعر الشعبي؛ وإخوته شعراء لهم باعٌ في هذا المجال.

وقد دخلت أبياته البيوت والمجالس وذاع صيتها، ومنها بيته الشهير من قصيدته المشهوره:
“تكفى ترا تكفا تهز الرجاجيل”
ولولا صروف الوقت ما قلت تكفا”
حيث أصبح هذا البيت مثل يحفظه الكبير والصغير؛ ولُقب شاعره بـ”أخو تكفا” منذ ذلك اليوم.

خصوصية شعر محمد الدحيمي، لا تتوقف عند قدرته العجيبة على سبك الأبيات وإحكامها، لكنه دائمًا قريبٌ من الناس ومواقفهم، فعندما تعيش ظرف أو تتَعْرضُ لنائبة أو موقف؛ فستجد في شعر “محمد الدحيمي” ما ينطق بلسان حالك، وله في الانتقاد أبياتٌ لاذعة.. يقول:
“تبغى الصراحة يا قزم أي والله أن تبطي قزم..
يضحك عليك بذمتي من عملقك واستنسخك”

وفي الغزل تجده أبياته المرهفة، تنطق بما يجيش به الخاطر ويفيض به الوجدان حبًا ولوعةً، وهو ما نجده في قصائده ومنها:
“يوم اني اسج بين ادري وما ادري..
عقب البطا جاء يقول: الدر وشلونه”

وفي الأشعار متسع للحزن، وهو ميدان صال فيه “الدحيمي”وجال؛ فأبياته رسمت صورة الحزين وحاله، وتلونت بآهات الألم النابعة من أعماق القلوب، وقد وجد فيها صاحب الهم سَلوته، يقول:
“أنا من صغر سني عشت نازل ورحال..
أبوي مربي اخواني وانا اللي الوقت رباني”

“محمد الدحيمي” تنبأ في قصيدة قديمة جداً موعد وفاته في بيتين من إحدى قصائدة.. يقول:
“ناسٍ على موتة الجمعه يحسدوني..
ياصبر قلبي عليهم والله أقوى له..
السوق سوقي.. وعيّوا لا يبيعوني..
والطيب مشراه ما بحتاج دلّالـه”

وله بيتٌ قديم أيضاً ودع فيه كل من يسمعه
منذ سنوات؛ حيث يقول:
وإن مِتْ قولوا لفاقدني.. وداعيه..
والله ماني ردِيْ.. حظّي تردّى بي..

وكما هو حال الموهوبين من الشعراء، لا تخلو مسيرتهم من مراحل مثيرة للجدل حول قصائدهم، فتصدى “الدحيمي” لمحاولات سرقة أبياته الشعريّة من قبل البعض وفي مقدمتها بيته الشهير ذائع الصيت “تكفى”.

كان خبر وفاة شاعرنا “محمد الدحيمي” قبل أربعة أيام، مؤلماً، وكانت لحظة أدمت قلوب محبيّة، الذين شيعوه بالعبرات واللوعات، وما دار في خلدهم أنّ أشعار “الدحيمي” عن الرثاء، سوف تنشدُ فيه؛ بعد أن ضجت مواقع التواصل عاليًا بخبر وفاته، فتجدد طرح تراثه؛ وتناول مئات الكتاب والشعراء والنقاد والمشاهير وجماهير العامة شعره وجزالته وإبداعه الشعري؛ وهم يلهجون له بالدعاء رحمه الله.

يرحل إبن قرية “الظهاره” في محافظة النماص محمد بن رافع الدحيمي الشهري، عن دنيانا، ومع ألم قلوبنا لرحيله، نتصبر بإنجازه ومسيرته التي تلونت بموهبته الفذّة؛ فأشعار الدحيمي وإبداعه حاضرة في كل مناسباتنا ومواقفنا؛ وسُتبقي ذكراه رحمه الله وأسكنه فسيح جناته حيّة في القلوب والعقول.

 

زر الذهاب إلى الأعلى