ثقافة وفنون

نموذج العقلانية المحدودة في اتخاذ القرارات عند هربت سايمون

هربرت سايمون Herbert Simon
هو عالم أمريكي شهير حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد نتيجة لأبحاثه حول عملية اتخاذ القرارات في المنظمات وإبداعه في بناء نموذج العقلانية المحدودة، ويُعدّ سايمون عالماً متعدد التخصصات، فقد تنقل في حياته بين علوم وحقول معرفية متعددة مثل الإدارة العامة والسياسة والاقتصاد وعلم النفس وعلم السلوك والذكاء الصناعي، وحصل على ثمانية جوائز عالمية في معظم تلك العلوم نتيجة لإسهاماته القيّمة.

نشر سايمون 27 كتاباً، بجانب العشرات من المقالا ت العلمية، كما حصل على العديد من درجات الدكتوراه الفخرية من جامعات مرموقة.
لقد قدّم هربرت سايمون إسهامات فريدة لحقل الإدارة العامة، حول تناوله لموضوعات مختلفة في هذا الحقل، ولكن من أكثر إسهاماته وضوحاً وتأثراً في تطور الحقل ما ارتبط بمجال اتخاذ القرار.

لقد سعى سايمون لفهم واستيعاب الكيفية التي تُتخذ بها القرارات، منطلقاً من معارضته وعدم قناعته بالأفكار التي قدمتها النظريات الكلاسيكية في هذا الشأن.
حيث يرى أن تلك النظريات تعتقد بإمكانية التوصل إلى قرارات عقلانية تماماً، من دون الأخذ بالاعتبار للعوامل الداخلية والخارجية التي يمكن أن تعيق التوصل لمثل تلك القرارات.

إنَّ اهتمام سايمون بتلك العوامل المُحدّدة لعملية اتخاذ قرار عقلاني؛ قاده إلى التوصل إلى مفهوم يأخذ بعين الاعتبار تلك العوامل، وهو مفهوم العقلانية المحدودة bounded rationality .
وفي إطار سعي سايمون لدراسة كيفية وآليات اتخاذ القرار، قام بالتعمق ودراسة علوم أخرى مثل علم الاقتصاد، وعلم الرياضيات وعلم النفس، مما منحه المعرفة والقدرة على التوظيف لتلك المعرفة في تحسن عملية اتخاذ القرار، وجعلها أكثر واقعية وأقرب للتطبيقات العملية من تلك الأفكار التي قدمتها النظريات الكلاسيكية.
يعتقد سايمون أنه لمحاولة فهم وتحسن عمليات اتخاذ القرار؛ ينبغي التركيز على الأفراد متخذي القرارات قبل التركيز على المنظمات التي تُتخذ بها تلك القرارات، فالمنظمات لا تتخذ قرارات، بل إن الأفراد هم من يتخذها.

لذلك؛ ينبغي دراسة سلوك الأفراد، والعوامل التي تؤثّر عليهم أي عوامل تتعلق بقدرات الفرد سواءً داخلية أو خارجية أي عوامل بيئية محيطة بالمنظمة، إضافةً إلى ذلك؛ يشدّد سايمون على أهمية فحص وتحليل العمليات التي تقود لقرار معين، أكثر من النتيجة أي القرار.

سايمون واتخاذ القرارات
كانت الفكرة الرئيسة التي استحوذت على عقل سايمون منذ سن مبكرة هي كيف يمكن دراسة السلوك الإنساني بأسلوب علمي.
وتُعد أفكاره حول اتخاذ القرارات وحل المشكلات، بالإضافة للعقلانية المحدودة والسببية، إسهامات فريدة قدّمها إلى حقل الإدارة العامة.
لقد عارض سايمون الافتراضات الأساسية التي كانت سائدة آنذاك حول الإدراك الإنساني، حيث كان هدفه تفسير طبيعة وآلية عملية التفكر التي يستخدمها البشر في اتخاذ القرار.

وفي عام 1947، نشر أطروحته التي نال بموجبها درجة الدكتوراه من جامعة شيكاغو بعنوان: «السلوك الإداري:
دراسة لعمليات اتخاذ القرار في المنظات الإدارية» والتي عارض فيها الافتراضات القديمة في الإدارة، وأطلق أول انتقاداته لمبادىء المدرسة الكلاسيكية في الإدارة العامة.
لقد عارض سايمون تلك المبادىء principles وأسماها أمثال proverbs في الإدارة، حيث كان يرى أن تلك المبادىء تتعارض أصلاً مع بعضها البعض، ولا تستطيع الصمود عند إخضاعها للبحث العلمي.
لذلك فهو يعتقد أن تلك المبادئ غير قابلة للتطبيق في الحالات المعقدة، وبالتالي لا يمكن إطلاق مسمى مبادىء عليها.

لقد أوضح بأسلوب مقنع كيف أن كل مبدأ من مبادىء الإدارة تلك يمكن أن يكون عرضة للنقض والدحض إذا أُخضع للتفكير
المنطقي المنهجي.
وقد ضرب سايمون مثالاً عى ذلك، فقد جادل بأن مبدأ تفويض السلطة delegation of authority ومبدأ وحدة
القيادة unity of command هما مبدآن متناقضان.
فمبدأ تفويض السلطة يعني أن المدير ينبغي أن يفوض السلطة والمسؤولية، ولكن في المقابل فإن مبدأ وحدة القيادة يناقض المبدأ السابق عبر الدعوة إلى التحكم والسيطرة على المنظمة من خلال قيادة مركزية.

لقد طالب سايمون بالتركيز على الافتراضات الواقعية factual propositions عند تنفيذ البحوث والدراسات العلمية.
إنَّ التأكيد والاهتمام الذي قام به تجاه مفهوم العقلانية أدى به إلى المطالبة بفصل الحقائق facts عن القيم values ، حيث حاجج – عند تناوله لهذه النقطة – بأن الحقائق تجريبية يمكن التحقق منها بأسلوب علمي، ولكن في الجانب الآخر، فإنَّ القيم ليست فقط يمكن التحقق منها، ولكنها تخضع لتفسرات مختلفة بواسطة أفراد يتعاملون مع مُثل محدّدة certain ideals لا يمكن قياسها واستخدامها بالبحث العلمي، ولذلك فإنه يعتقد أن الواجب الأساسي للإداري هو فصل الحقائق عن القيم، لكي يكون قادراً على تحديد أهداف واقعية وقابلة للتحقيق من قبل المنظمة.

إنَّ سايمون في سبييل تحقيق رغبته المتمثلة في تصميم نموذج يمكن الوثوق به في عمليات اتخاذ القرارات؛ إضافة إلى الاهتمام بحقول أخرى من العلوم، ولم يكتفِ فقط بحقل الإدارة.

لقد كان ينوي استخدام العلوم الطبيعية مثل علم الرياضيات في تسهيل شرح الظواهر الإجتماعية (McCorduck1974).
إنَّ الاهتمام العميق الذي أبداه سايمون بعمليات اتخاذ القرارات؛ قاده إلى التعمّق في تخصصات أخرى مثل الرياضيات وعلم النفس وعلم الاقتصاد، والتي من خلالها– أي من خلال التعمق في تلك العلوم المختلفة – نجح في تطوير نظريته حول العقلانية المحدودة، والتي كانت العامل الأساسي وراء فوزه بجائزة نوبل.

يعتقد سايمون أن عملية اتخاذ القرارات في المنظمة هي عملية مُعقّدة نتيجة تأثرها بعوامل عديدة في المنظمة.
ويمكن لنا أن نلاحظ بأنه عندما كتب أطروحته للدكتوراه مهّد الطريق لعملية تطور منهج جديد في استيعاب ودراسة عملية اتخاذ القرار في المنظمة مع التأكيد والتركيز على القيود المفروضة على العقلانية عند وكلاء agents عملية اتخاذ القرار.

إنَّ البشر في نظر سايمون هم ظاهرة غير معقّدة، حيث يقول: إن البشر يتكونون من نُظم بسيطة للغاية أساسها نُظم مُتصرّفة behaving systems . إذن أين التعقيد؟ أنه يرى أنَّ الجوانب المعقدة المصاحبة لسلوكيات البشر مع مرور الوقت تُعد بشكل كبير انعكاساً للبيئة المعقدّة التي يعيشون فيها.

وبالتالي؛ بتبني هذه النظرة تجاه تعقد سلوكيات البشر بسبب البيئة؛ فإنه يوضح أنَّ التحدي الأساسي هو أهمية فهم واستيعاب البيئة التي يوجد بها الإنسان، وكذلك الوعي بحالات عدم التأكد uncertainty التي تحيط بعمليات اتخاذ القرارات.

وهو يصرّ عى القول بكل وضوح: إنَّ عملية اتخاذ القرار تُعد أهم جزء في عمل الإدارة، وأنَّ نتائج القرار وآثاره تعتمد على الكيفية والعملية التي مرَّ من خلالها القرار قبل اتخاذه.

لقد طوّر سايمون مفهوم ونموذج العقلانية المحدودة الذي يرتكز أساساً على فكرة أنَّ البر لا يمكن أن يكونوا عقلانين تماماً أو بشكل مطلق، بل هم عقلانيون بشكل جزئي.

ويعتقد سايمون أيضاً أنَّ اتخاذ القرار في المنظمات يشمل جوانب اجتماعية، كا أنَّ القرار في المنظمة لا يمكن أن يكون وظيفة فرد واحد (Mitchell and Scott .1988) سايمون والحقول المعرفية الأخرى يُعدّ سايمون بحق عالماً متعدد التخصصات، أسهم في تقديم أفكار مميزة لحقول أخرى من المعرفة بجانب الإدارة.

لقد أسهم مع العالم نويل Newell في تأسيس وإنشاء علم جديد هو الذكاء الصناعي الذي كون الأرضية الملائمة لدراسة أنماط التفكير الإنساني باستخدام نماذج حسابية.

ويُعد عمله الرائد في مجال الذكاء الصناعي معلماً بارزاً في دراسة وتأسيس أول آلة تفكير صناعية،بالإضافة إلى أنَّ أعماله تلك أحدثت ثورة في دراسة سيكولوجية العقل الإنساني.
ولقد انخرط سايمون أيضاً في دراسة علم الاقتصاد، حيث استقطبت إسهاماته في هذا العلم اهتماماً وانتباهاً كبيراً بعد فوزه بجائزة نوبل في الاقتصاد، مع العلم أنَّ هذه الإسهامات ارتبطت بنموذج اتخاذ القرار الذي تبناه ( 2004 ,Day ).
يمكن القول: إنَّ إسهامه الرئيسي الأكثر شأنًاً طوال حياته كان في مجال اتخاذ القرار. لقد قاده بحثه وحماسه حول معرفة وفهم عملية اتخاذ القرار عند الإنسان إلى سر أغوار عدة تخصصات وحقول مثل علم النفس، وعلم الاقتصاد، وعلم الإدارة، وعلم الحاسب الآلي، وكذلك الذكاء الصناعي (2010 ,Kalantari ).

أنه من الأهمية بمكان أن ندرك أن هذا العَالِم كان جزءاً من حركة الحرب العالمية الثانية التي كانت مهتمة باستخدام البحوث العلمية، وتطبيقها في العلوم الاجتماعية، بدءاً بتطوير النظريات وانتهاءً بالقدرة على التوصل إلى نتائج علمية في تلك العلوم.
إنَّ إسهاماته في عدد من العلوم كان مرتبطاً بشكل مباشر في رغبته وحماسه نحو فهم أفضل لعمليات اتخاذ القرارات في المنظات.

لقد ارتبطت تلك العلوم التي درسها بشكل مباشر أو غير مباشر في دراسة سلوك متخذي القرارات في المنظمات، وارتبطت كذلك بدراسة كيفية عمل العقل البري.

لقد كان سايمون عالماً سلوكياً بحق نتيجة تركيزه على بناء وتصميم نظرية اتخاذ القرار وإبداعه في ربطها بالسلوك الإنساني. إنَّ حجته فيا يتعلق بعملية اتخاذ القرار – والتي تعارض وتناقض النظريات الكلاسيكية والنظريات الكلاسيكية الجديدة – ركزت عى مفهوم العقلانية ودورها في عملية اتخاذ القرار.

ولقد أدى تطويره لنموذج العقلانية المحدودة إلى إحداث ثورة في طبيعة اتخاذ القرارت في المنظمات، فهو يفترض بأن المنظمات في الواقع لا تتخذ القرارات، إنما الأفراد في تلك المنظمات هم من يتخذها، وإن هذه القرارات المتخذة من قبل أفراد ليست عقلانية بشكل مطلق كما ادعت النظريات الكلاسيكية والنظريات الكلاسيكية الجديدة في الإدارة.

إنَّ نموذجه في عملية اتخاذ القرار قابل للتطبيق في جميع العلوم ذات العلاقة، بما فيها الاقتصاد حيث فاز بجائزة نوبل في هذا العلم نتيجة لنموذجه في اتخاذ القرار.

يوضح سايمون هذه النقطة من خلال تأكيده «أنه من غير الممكن أن يتم تطوير عملية اتخاذ القرار الاقتصادي من دون فهم وإدراك أفضل للسلوك الإنساني (Schwartz« .2002).

النظرية الكلاسيكية والنظرية الكلاسيكية الجديدة مقابل نموذج العقلانية المحدودة

ووفقاً للنظرية الكلاسيكية والنظرية الكلاسيكية الجديدة؛ فإنَّ الغرض الأساسي من عملية اتخاذ القرارات هو التوصل إلى قرارات عقلانية rational decisions .

ترى تلك النظريات أنَّ عقلانية القرار يمكن تحقيقها من خال خطوات محددة ينبغي الحرص عى إجرائها لإنتاج قرار عقاني.

أولى هذه الخطوات الضرورية يتمثّل في جمع كل المعلومات ذات العلاقة بالموضوع أو القضية التي يُراد اتخاذ قرار بشأنها.

بعد ذلك تأتي خطوة مهمة تتضمن تحديد جميع بدائل القرار الممكن تبنيها، ثم دراسة الآثار والنتائج المتوقعة لكل بديل في حال اتخاذه، وتأتي الخطوة اللاحقة باختيار البديل الأمثل والأفضل التي يتفوق على غره من البدائل من ناحية تحقيقه لآثار إيجابية أكبر. إنَّ المساهمة التي تستحق الذكر عند النطرية الكلاسيكية الجديدة بخصوص موضوع هذه المقالة هو اهتمامها بالاحتياجات الإنسانية، ولذلك يُطلق عليها مسمى مدرسة العلاقات الإنسانية(2010 ,Kalantari).

لقد عارض سايمون توجّهات النظرية الكلاسيكية والنظرية الكلاسيكية الجديدة فيا يتعلق بعمليات اتخاذ القرارات في المنظمات، حيث يرى أنَّ تلك التوجهات في هذا الجانب غير واقعية ولا تمت بصلة حقيقية للتطبيقات العملية في المنظمات.

فهو يحاجج بأن متخذي القرارات في المنظمات لا يمكن لهم أن يكونوا عقلانين في قراراتهم إلا إذا كان لديهم تحكم كامل في العوامل البيئية بالإضافة إلى سيطرتهم عى قدراتهم الذهنية (2010 ,Kalantari).

ومن هنا أتى بمفهومه حول العقلانية المحدودة كرد فعل عى مفهوم العقلانية غير المقيدة أو المطلقة عند تلك النظريات السابقة.
يقول سايمون بأن تلك النظريات التي أدعت العقلانية المطلقة في علمية اتخاذ القرارات تنظر لهذه العملية من حال افتراضها إمكانية توفر متخذ قرار عقلاني rational actor .

ولكنه يرى أنَّ مثل هكذا تصور يتنافى والواقع العمي عند التطبيق، حيث ينبغي مراعاة القيود المفروضة على قدرة الإنسان الحسابية human computational ability، وكيف تؤثّر تلك القيود عى سلوكه العقلاني.
تنشأ القيود المفروضة عى عقلانية الإنسان، وقدراته الحسابية من التفاوت والتباين بين تعقيدات البيئة الخارجية، وكفاءة وملاءمة قدرات الإنسان الحسابية ( 1997 ,Simon ).

يمكن القول هنا: إن النظرية الكلاسيكية الجديدة يمكن أن تُعد مرحلة بداية التفكير حول عملية اتخاذ القرارت
العقلانية، ولكن العيب الجوهري في هذه النظرية هو تعاملها مع متخذ القرار باعتباره مراقباً observer في عملية اتخاذ القرار بدلاً من اعتباره فاعلاً actor، بالإضافة إلى هذا العيب؛ تتجاهل هذه النظرية القيود المتعلقة بعملية جمع المعلومات الضرورية لاتخاذ القرار مثل الوقت، والتكلفة، والثقافة التنظيمية، وغيرها من القيود ( 2010 ,Kalantari).

إنَّ العقلانية المحدودة تناقض مفهوم العقلانية غر المحدودة في اتخاذ القرار، حيث إنها – أي العقلانية المحدودة – تشدد على الحدود المعرفية عند الإنسان، ودورها في عدم إمكانية التوصل إلى قرار عقاني تماماً.

يوضح سايمون أنَّ العقلانية المحدودة تهدف إلى إنتاج قرارات مُرْضية ،satisfying decisions ما يعني أنه ليس بالرورة أن تكون هذه القرارات هي القرارت الأمثل optimal decisions .
ولقد أوضح أن العقلانية تكون محدودة عندما لا يمكن الإلمام بجميع المعارف والعلوم، ما يترتب عليه عدم القدرة على التوصل إلى الإتيان بجميع البدائل.
كا أن العقلانية تكون محدودة عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات في حالات عدم التأكد uncertainty ، وبمواجهة أحداث خارجية لا يمكن نوفمبر 20621 م 9 السيطرة عليها تماماً، وأيضاً بعدم القدرة على معرفة آثار القرار بشكل دقيق (1979 ,Simon ).
وفيا يتعلق ببعض الخصائص الأخرى لمفهوم العقلانية المحدودة؛ يُشر سايمون إلى بعض من تلك الخصائص لتشمل القيود عى قدرة الإنسان الحسابية، وأوجه القصور في معرفة الإنسان بخصوص نتائج اختياراته، وكذلك القيود على قدرة الإنسان في الفصل بين أهداف متعددة.

ويُشير أيضاً إلى أنَّ مفهوم العقلانية المحدودة لا يأتي من افتراض العقلانية بحد ذاتها، ولكن من افتراض أنَّ هذه العقلانية هي محدودة، عى الأقل في بعض جوانبها (2010 ,Kalantari).
يذكر سايمون أن “مفهوم العقلانية المحدودة يوفر نقطة انطاق لنظرية اقتصادية تتعامل مع المناطق المهملة من دون أن يُلغي هذا المفهوم النتائج التي أتت بها النظرية الكلاسيكية المستندة على أدلة وبراهين تجريبية (1997 ,Simon).
بعبارة أخرى؛ يُعزّز نموذج سايمون السلوكي الفكرة القائلة بأنه عى الرغم من أن العقلانية هي هدف عمليات اتخاذ القرارات في المنظات، إلا أنَّ متخذ القرار في المنظمة محدود ومُقيّد بقدراته المعرفية مثل القيم والعادات والمعرفة الفنية، وكذلك مُقيّد بعوامل بيئية خارجية لا يمكنه التحكم به وضبطها، مما يؤدي إلى عدم القدرة عى اتخاذ القرار الأمثل( 2010 ,Kalantari).
وفيا يتعلق بعلاقة سايمون بالنظرية الكلاسيكية الجديدة حول مفهوم العقلانية، ينبغي أن نُشر هنا إلى أن البعض قد يعتقد أن أفكاره حول هذا المفهوم تتناقض مع نفس المفهوم عند تلك النظرية ) 2005 ,Sent (، وهذا غر دقيق، فهو لم يُر في كتاباته حول عمليات اتخاذ القرار إلى أنَّ مفهوم العقلانية هو مفهوم خاطىء، ولم يطالب أن يسعى متخذ القرار للتوصل إلى نتائج أكثر عقلانية عن طريق إحداث تأثيرات عى البيئة.
إنَّ مفهوم العقلانية المحدودة عنده هو ببساطة الأخذ بعين الاعتبار عملية اتخاذ القرار في عالم معقّد، وغير مستقر يحيط بمتخذ القرار ومنظمته التي يسعى لخدمتها من وراء اتخاذه لذلك القرار. إنَّ تلك الحالات من عدم الاستقرار وعدم التأكد في البيئة المحيطة بعملية اتخاذ القرار تجعل من غير المنطقي المطالبة بالتوصل إلى أفضل قرار، بل بالقرار المرضي حتى لو لم يكن الأفضل والأمثل (Kalantari 2010).
لا يعارض سايمون النظرية الكلاسيكية الجديدة في اتخاذ القرارات، ولكنه يعتقد أنها غير مكتملة، ولا تمت بصلة لواقع وحقيقة عمليات اتخاذ القرار من خلال تركيزها عى إنتاج أفضل قرار بغض النظر عن العوامل التي تعيق التوصل لذلك القرار المنشود.
يتضح لنا من مفهوم العقلانية المحدودة الذي نادى سايمون بتبنيه عند اتخاذ القرارات في المنظمات أنه يناسب الواقع الذي يعيشه متخذو القرارات، فهم لا يستطيعون توفير كل المعلومات التي يحتاجونها عند الرغبة في البدء بعملية صنع قرار، كما أن قدرتهم المعرفية المحدودة – بطبيعتهم كبر – لا تمكنهم من توظيف المعلومات التي حصلوا عليها بالشكل الذي يناسب القرار المراد اتخاذه.

فكل متخذي القرارات يعتمدون غالباً على معرفتهم التخصصية العلمية، ويغفلون بقية المعارف التخصصية الأخرى – لعدم إلمامهم بها بطبيعة الحال – عند المفاضلة بين البدائل.

لقد استخدم سايمون نظريات العلوم المعرفية ليبين كيف أنه يمكن اكتشاف بدائل جديدة من خال البحث الإرشادي.
وفي إطار سعيه لشرح نظريته في العقلانية المحدودة في اتخاذ القرار؛ نجد أن نموذجه في البحث الإرشادي يساعد على تطوير بدائل واقعية. ولقد انتقد النظرية الكلاسيكية الجديدة بسبب عجزها عن تقديم إيضاحات عن كيفية التوصل إلى بدائل محددة، وتقديمها إلى متخذ القرار ليختار من بينها القرار النهائي.

وهو يعزو هذا العجز إلى أن تلك النظرية تتعامل مع الجوانب النظرية لعملية اتخاذ القرار بدلاً من التعامل مع الحالات الواقعية في البيئة الخارجية. وعى العكس من ذلك، فإنه من خلال مفهوم العقلانية المحدودة؛ فإن العامل الأساسي الذي يحدد أي من البنود ينبغي أن يتوفر لمتخذ القرار ليتخذ قراره هو الظاهرة محل الاهتمام، والمُحفِّزة للبحث عن قرار والتي ترتبط بشكل مباشر بالاحتياجات التنظيمية. يوضح سايمون بأن عملية اتخاذ القرار ينبغي أن تشدّد على تلبية نوعن من الاحتياجات حتى يمكن للمنظمة البقاء.

أولاً: الاحتياجات الحقيقية real-time needs والتي يمكن التعامل معها على أنها تهديدات قائمة أو فرص محتملة.
وثانياً: الاحتياجات الدورية periodic needs لتعويض الموارد حيثما يكون هناك استنزاف مستمر لها.
وفي السياق نفسه – حول النظرية الكلاسيكية والكلاسيكية الجديدة – حدثت طفرة كبيرة بعد الحرب العالمية الثانية في السعي نحو تطوير نموذج قوي في عملية اتخاذ القرار، وحل المشكلات في الأوساط العقلانية المحدودة الذي نادى سايمون بتبنيه عند اتخاذ القرارات في المنظمات يناسب الواقع الذي يعيشه متخذوالقرارات الأكاديمية.

ساعدت هذه الطفرة في تطوير واستخدام أحد الناذج في عملية اتخاذ القرار، وهو نموذج المنفعة الذاتية المتوقعة subjective expected utility . يفرض هذا النموذج أن متخذ القرار لديه منفعة جرى تعريفها وتحديدها جيدًا، وبالتالي يقوم متخذ القرار بتعين رقم معن – كأداة قياس – بخصوص تفضيلاته لأي حدث محدد في المستقبل.

كان يفترض أيضاً بأن متخذ القرار سوف يواجه مجموعة مُعرَّفة جيدًا من البدائل ليختار من بينها، وبخصوص وجهة نظر سايمون حول هذا النموذج؛ فأنه يقر بفعاليته وفائدته في بعض الحالات، ولكنه، في المقابل، يشتمل على عدد من القيود الرئيسية عند تطبيقه بأوضاع وحالات معقدّة، وعند التعامل مع مشكلات الحياة الواقعية. لذلك، فقد أبدى تحفظات تجاه تطبيق نموذج المنفعة الذاتية المتوقعة مُشابهة لتحفظاته حول النظريات الكلاسيكية والكلاسيكية الجديدة في عمليات اتخاذ القرار ويمكن أن نُلخّص موقفه من النظرية الكلاسيكية الجديدة بأنه انتقد تلك النظرية لتجاهلها القيود عى عقلانية الإنسان، وأيضاً لانفصالها وعدم انسجامها مع ظروف البيئة الواقعية والحياة العملية. فهو يعتقد أنَّ نموذج الرجل الاقتصادي العقلاني، والذي يعتبر الإنسان مُعظِّم منفعة utility maximizer لا يمكن تطبيقه في بيئات العمل الواقعية. فالعوامل العوامل التنظيمية البيئة تلعب دوراً فعّالاً في التأثر على الأوضاع والموارد المتوفرة لمتخذ القرار، كما أن البيئة تضع متخذ القرار في ظروف غير مُتأكد منها يصعب السيطرة والتحكم فيها.

لقد أبدى سايمون – من خلال إتيانه بمفهوم العقلانية المحدودة – تحدياً كبيراً للنظرية الكلاسيكية الجديدة من ناحية عدم قدرتها على التنبؤ بالسلوك الجماعي للبشر، رغم أنها تفترض أن البشر يتصرفون بشكل عقلاني الطبيعة العقلانية لعملية اتخاذ القرار التنظيمي يُشر سايمون إلى أنَّ العقلانية هي ظاهرة سياقية تعتمد عى الظروف، وأنَّ هناك فارقاً بن نوعين من العقلانية: العقلانية الموضوعية ،rationality substantive العقلانية الإجرائية procedural rationality .

يحاجج سايمون بأنَّ وصفه لكون القرارات غر عقلانية مرتبط بعدم عقلانية عملية اتخاذ القرارات، أي أنَّ العملية التي يجري من خلالها الوصول إلى قرار هي العامل الأساسي بعدم عقلانيته، وليس القرار أي النتيجة من تلك العملية.

ووفقًاً لهذا التمييز بين نوعي العقلانية: الموضوعية والإجرائية؛ فإنه إذا كان متخذ القرار يترف في اتجاه الأهداف الموضوعة للمنظّمة ضمن القيود المفروضة عليه من ناحية اتخاذه للقرار؛ فإن القرار عقلاني موضوعياً substantively rational ، وليس قراراً عقلانياً إجرائيًا.

لذلك فهو يُشدّد عى العقلانية الإجرائية بدلاً من العقلانية الموضوعية، من منطلق اهتمامه بعملية اتخاذ القرار، وليس بالقرار بحد ذاته. لذلك فإنه عندما يُشر إلى عملية اتخاذ القرار العقاني، فهو يقصد العقلانية الإجرائية. يعتقد سايمون أنَّ السلوك يُعد عقلانياً إجرائياً عندما يكون نتيجةً عمل مقصود. وتعتمد العقلانية الإجرائية للسلوك وعى العملية التي من خلالها يتم تشكيل ذلك السلوك، كا تعتمد عى الفاعل actor في جانب واحد فقط ألا وهو أهدافه.

فباعتبار تلك الأهداف؛ يمكن تحديد السلوك العقلاني بشكل كامل بواسطة خصائص البيئة التي يجري فيها ذلك السلوك، وبسبب المعرفة المحدودة ونقص العقلانية الإجرائية الصحيحة؛ فإنَّ متخذي القرار يسعون إلى اتخاذ قرارات تهدف لتحقيق الرضا أكر من سعيهم لاتخاذ القرارات الأفضل والأمثل، مما يجعل تلك القرارات الهادفة لتحقيق الرضا ذات طبيعة نفعية opportunistic أكر من كونها عقلانية rational.

يحاجج سايمون حول هذه النقطة بأنَّ العقل الإنساني قادر على ممارسة قدر محدود من العقلانية، وبناءً على ذلك؛ فإنَّ الفرد متخذ القرار يقوم بتبني نموذج مبسط للعقلانية لنفسه – آخذًا في الاعتبار القيود التي تحيط به – وذلك ليكون قادراً على إرضاء ذاته عند التعامل مع ظروف متعلقة به. أي أنَّ متخذ القرار يسعى للبحث عن أسلوب عمل يكون مرضياً له.

يُشير سايمون إلى بعض القيود المفروضة والمحيطة بعملية اتخاذ القرار مثل المهارات، والعادات، والقيم، وكذلك وجهات النظر والتصورات الخاصة بالأفراد، التي قد لا تكون متوافقة بالرورة مع الأهداف والغايات التنظيمية. تجعل تلك القيود من عملية اتخاذ القرار أكثر تعقيدًا، وذلك بسبب صعوبة تمييز تأثيرات تلك القيود عى عملية اتخاذ القرار.

نخلص من ذلك بأن العقلانية المحدودة التي أتى بها سايمون تتخذ من قاعدة الوصول لقرارات مُرْضية بدياً واقعياً لقاعدة تعظيم مثالية القرار، والذي كان هدفاً للنظريات الكلاسيكية والكلاسيكية الجديدة فيعملية اتخاذ القرار في الحياة العملية.

لقد بدأ سايمون من مراحل مبكرة من عمره بالاهتمام بدراسة عمليات اتخاذ القرار عى المستوى الفردي، وكذلك على المستوى التنظيمي، وكان يشعر بقلق بالغ حول الفكرة المحورية للنظرية الكلاسيكية، والتي تدعي نوفمبر 20281 م 9 أنَّ سلوك متخذ القرار يتبع المبدأ الكلاسيكي «تعظيم المنفعة ».
ونتيجة لاهتمامه بهذ الأمر؛ عمل على دراسة سلوك متخذي القرار الأفراد خال عمليات اتخاذ القرار حتى يتمكن من فهم واستيعاب كيفية اتخاذ القرارات في الحياة العملية. يقول سايمون بأنَّ بقاء الإنسان مرهوناً بقدرته على اتخاذ القرارات في بيئة غامضة ومتغيرة بشكل دائم، وإنَّ الدرجة التي يستطيع أن يصل إليها الإنسان في التكيف مع هذه البيئة الغامضة والمتغرة باستمرار تعتمد بشكل كامل عى نوعية مهاراته في عملية اتخاذ القرار .
لقد حاول سايمون أن يتفهّم ويفر الواقعية السلوكية behavioral realism ضمن سياق نظرية التنظيم، وأدعى أنَّ المنظات العامة والخاصة التي تُؤسس بواسطة الأفراد لإنتاج منتجات أو تقديم خدمات معينة « يمكن أن تُفهم فقط عى أنها آلية للتعامل مع حدود قدرات الإنسان في الفهم والحساب في وجه التعقيد والغموض.

ولكونَ متخذ القرار يواجه قيودًا وحدودًا على قراره؛ فإنه ينبغي عليه أن يعمل على إجراء تعديلات أو تكييفات adjustments قبل اتخاذه للقرار. ومن هذه التعديلات أو التكييفات ما يتعلق بمستوى طموحات متخذ القرار aspiration level ، والذي يتعامل مع الأسلوب الذي من خلاله يقوم متخذ القرار الفرد باستكشاف مجموعة من بدائل القرار الذي يريد أن يصل إليه.

بعد هذه المرحلة – مرحلة التكيف – يقوم متخذ القرار بتعديل مجموعة بدائل القرار التي توصل لها – لأنه لا يمكن له أن يتوصل للمستوى المثالي – وذلك باستخدام قاعدة التوقف stop rule، ويُعد تعديل وتحديد مجموعة بدائل القرار جزءاً من عملية جمع المعلومات التي يقوم بها متخذ القرار.

يذكر سايمون أنَّ تحديد مستوى طموحات متخذ القرار – أي استكشاف مجموعة بدائل القرار – يعتمد على الخبرات والتجارب السابقة لمتخذ القرار نفسه.

في هذه العملية؛ فإن متخذ القرار الباحث عن حل لمشكلة معينة يستخدم خبراته وتجاربه السابقة للخروج بمجموعة من التوقعات حول ما يستطيع تحقيقه – آخذًا في الاعتبار مقدار الجهد المرغوب بذله من متخذ القرار –، وتعرف هذه التوقعات بمستوى طموحات متخذ القرار.

ويوضح سايمون بحث متخذ القرار عن بدائل مقبولة للقرار باستخدام قاعدة التوقف، حيث يؤكّد أنه حال التوصل إلى بدائل للقرار من خال عملية البحث والتقصي التي يقوم بها متخذ القرار، فإنه ينبغي عليه أن يقرر متى يجب أن يتوقف هذا البحث عن البدائل، إضافةً إلى أي بديل ينبغي اختياره.

أي أنه ببساطة نجد متخذ القرار يختار أول بديل مرضي له من بدائل القرار، والذي لا يُشترط أن يكون قراراً مثالياً أو القرار الأفضل، وهذا ما يُقصد به من قاعدة التوقف، أي التوقف حال التوصل لقرار مرضٍ من غير السعي لقرار مثالي. إنَّ مستوى طموحات متخذ القرار ينخفض إذا لم يمكن التوصل لبديل قرار مرضٍ له، وعند إنتاج هذا البديل المرضي؛ فإن تلك الطموحات ترتفع مرةً أخرى.

لقد صاغ سايمون عملية التوصل إلى بدائل للقرار من خال البحث والتقي المبني عى الخرات والتجارب السابقة، بالإضافة إلى قاعدة التوقف في لحظة معينة عند الوصول لقرار مرضٍ يواكب مستوى الطموحات. وهذا التوقف الذي نلاحظه في كتاباته يلبي مفهومه عن العقلانية المحدودة، وعدم اندفاعه وتحمسه لمفهوم العقلانية المطلقة الذي كان سائدًا قبل كتاباته حول عملية اتخاذ القرار. إنَّ العقلانية كما هي مقيّدة بعوامل خارجية مثل العادات والمهارات لأفراد التنظيم؛ فإنها أيضاً مقيّدة ومحدّدة بعوامل داخلية أي تتعلق بمتخذ القرار نفسه. فمتخذ القرار يجب عليه أن يحدد سقفًا لطموحاته عند بحثه عن بدائل لقراره، ومن ثم اختيار البديل المرضي حال التوصل له من بين تلك البدائل أي أثناء بحثه عنها. الحدس intuition في عملية اتخاذ القرار لقد ركّزت كثرٌ من الأدبيات ذات العلاقة بأفكار وكتابات هذا العَالِم على النموذج الأشهر الذي قدّمه “نموذج العقلانية المحدودة”، ولكنها لم تتناول بكثير من الاهتمام والتمحيص إسهاماته فيا يتعلق بدور الحدس في عمليات اتخاذ القرارات.

لقد افترض سايمون أننا عادةً ما نربط القرارات العقلانية والرشيدة بتلك القرارات التي يُستخدم فيها أسلوب البحث والتقصي والتحليل في سبيل الوصول إلى قرار، بينما نعد القرارات الحدسية intuitive أو الحُكمية judgmental بأنها قرارات غر عقلانية. وقد دحض هذا الرأي بقوله أنه إذا كانت الاستجابة الحدسية intuitive response مبنية على المعرفة السابقة والتي تراكمت بعقل متخذ القرار خلال الفترة الماضية؛ فإنَّ القرار – الناتج عن حدس متخذ القرار – سوف يكون قراراً مُرْضيًا كما لو كان اتخاذ القرار حدث خلال عملية تحليلية واعية .conscious analytical process of decision ma.

ولذلك فهو يعتقد بأن نظرية اتخاذ القرار ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار كلا النوعين من عمليات اتخاذ القرار: عمليات اتخاذ القرار الواعية conscious processes والعمليات غير الواعي subconscious processes . يؤسس سايمون هذا الرأي على فرضية أن الأجزاء الواعية وغر الواعية لعملية اتخاذ القرار تعمل بنفس الطريقة، كا أنَّ كلا النوعن ينطوي عى حقائق وقيم، والتي تسهم في التوصل إلى استنتاجات، تساعد بدورها في التوصل للقرار )سايمون، 1987.

يُعد سايمون عالماً سياسيًا بحكم التدريب والتعليم، ولقد بدأ أعماله في الإدارة العامة وعلم السياسة. وبعد ذلك؛ اتجه إلى المجال الاقتصادي، ثم كرّس عمله للعلوم المعرفية، وأخيراً لعلم النفس.

ويُعد كتابه “السلوك الإداري” مساهمة أصيلة وغر مسبوقة في نطرية اتخاذ القرار، وقد شكلت كتاباته ثورة في علميات اتخاذ القرار، وخصوصاً في وصف وتحديد الطبيعة الحقيقية لعمليات اتخاذ القرار العقلاني في المنظمات سواءً العامة أو الخاصة.

ومن خلال دراسته لأنماط اتخاذ القرار في المنظمات؛ فقد لاحظ أنَّ سلوك اتخاذ القرار لا يتوافق مع النظريات العقلانية في اتخاذ القرار التي أبرزتها النظريات الكلاسيكية والكلاسيكية الجديدة.
ونتيجة لذلك طوّر نموذجاً جديداً أساه نموذج العقلانية المحدودة، والذي بُني وارتكز على نظرية السلوك.
ولقد لاحظ سايمون أنَّ العوامل البيئية والقيود المعرفية تحد من سلوك متخذي القرار في التعامل مع عمليات اتخاذ القرار عى مستوى المنظات، وفي التوصل إلى المستوى الأمثل من البدائل.

حيث يفترض بأن العوامل البيئية مثل تكلفة جمع المعلومات، بالإضافة إلى عدم التأكد واليقن فيما يتعلق بالأحداث المستقبلية، بإمكانها أن تتحكم بقوة في سلوك متخذي القرارات.
إنَّ تلك القيود على متخذ القرار تمنعه من اتخاذ قرار عقلاني تماماً، كما افترضت المدرسة الكلاسيكية.

لذلك فإنه في الحياة العملية والواقعية؛ فإنَّ متخذي القرارات يسعون لاتخاذ قرارات مرضية عن طريق البحث والمقارنة بين البدائل، وبالتالي اختيار القرار المرضي وليس القرار الأمثل. وأخراً.. ينبغي القول: إن سايمون عى الرغم من معارضته لفرضيات اتخاذ القرار في النظريات الكلاسيكية والكلاسيكية الجديدة والتي تفرض عقلانية مطلقة للقرار، فإنه لم يدعِ أنَّ تلك الفرضيات عديمة الفائدة.

لقد أوضح أنَّ عمليات اتخاذ القرار وفقاً للنظريات الكلاسيكية والكلاسيكية الجديدة لا تناسب الأوقات التي تتسم بعدم الاستقرار، وعدم اليقين والتأكد من المستقبل، وكذلك لا تناسب التعقيدات التي تتسم بها الحياة العملية وخصوصاً في المنظمات الكبيرة.

زر الذهاب إلى الأعلى