يكتبون

الظلاميون

د.أحمد بن سعد آل مفرّح*

من أصعب الأمور والمواقف تصنيف الناس وتسكينهم في درجات متفاوتة على أساس عرقي أو حِرَفي أو جنسي أو حتى بلون البشرة.!، وأشد من ذلك تصنيفهم على أساس ديني متشدد مثل نعتهم بسلفي، وهابي، ظلامي، رجعي، أو علماني أو غير ذلك من التصنيفات المعلبة.

 

قد يكون التصنيف الديني الجائر ـ تحديداً ـ يعود غالباً إلى أسباب منها اتباع المُصنف لتعاليم شرعية ثابتة، أو الاقتداء بسنة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام الظاهرة، مثل إعفاء اللحية أو تقصير الثوب أو استعمال السواك أو احتشام المرأة أو غير ذلك من الممارسات الظاهرة، أو قد يكون بسبب المداومة على تلاوة ومراجعة القرآن الكريم وحمله، ولزوم التسبيح وترديد الأذكار والتبكير والحرص على الصلاة في المسجد، أو بسبب الحرص على المساهمة في برامج الدعوة إلى الله ونشر دينه.

إلا أنه أصبح المسلم اليوم يخشى أن تبدو عليه ملامح الهداية والاستقامة في مظهره وأقواله وتصرفاته تلافياً للتصنيف، فيُحجم عن ترديد الأدعية والأذكار المأثورة، ولا يستطع في بعض المجتمعات الإسلامية الصلاة في جماعة أو الجهر بالذكر أو بالتكبير أو حتى بإفشاء السلام ـ مثلاً ـ خوفاً من نعته بالتشدد والتطرف، ولاشك أنه قد تمكن أصحاب الأهواء من استغلال سوء ممارسات بعض المنتمين للإسلام من التكفيرين والمناهضين للدول والحكومات، واتخذوا بعض المصطلحات الإسلامية السامية مثل عبارة “الله أكبر” وربطها بالعنف والقتل والإرهاب.!، وقد تكمن الغاية المبطنة في سعي المتآمرون لدفن الشعائر الإسلامية الظاهرة وكبتها، وإجبار المسلم على الانكفاء على نفسه وعدم الإفصاح والاعتزاز بهويته وعقيدته الصحيحة، فلا يبدو منه أي مظاهر السنة ولا يظهر من الفتاة أي علامات الحشمة.

 

ودون شك إن المغرضين والحاقدين على الإسلام استغلوا تلك السلوكيات والممارسات الإسلامية الظاهرة المعتبرة شرعاً التي يتقمص بعضها التكفيريون والإرهابيون تقية أو ظلماً، فأساؤوا للإسلام وللسواد الأعظم من المسلمين قبل غيرهم، وخدموا أجندة وغايات الأعداء وقدموا لهم على طبق من ذهب مبررات لضرب الإسلام وانتقاد شعائره وأثروا على الكثير من أتباعه وعلى ممارساتهم التعبدية بشكل لافت.

منذ أسابيع قليلة انتهت عشر ذي الحجة والتي يُنْدب فيها التكبير المطلق في الطرقات والمنازل والأسواق، ولوحظ في بعض المجتمعات الإسلامية أن هناك تراجعاً في إحياء تلك السنة، وقد يكون إما خشية من التصنيف أو عدم اكتراث البعض، أو استخفافهم بها نتيجة للتقليل من شأن شعائر وسنن الإسلام جراء تلك الهجمة التصنيفية، وأنه يُفهم عدم إظهار تلك الشعائر والسنن في مجتمعات الدول غير الإسلامية للأسباب ذاتها ولغيرها من الأسباب، فعبارة الله أكبر العظيمة، مع انتشارها الكبير ومعرفتها لفظاً في المجتمعات الغربية، ولكنها مع بالغ الأسف رُبطت غالباً بالتطرف والإرهاب والقتل، لأن بعض الظلاميون والتكفيريون الذين اعتدوا على الآمنين في عواصم ومدن دول العالم الإسلامي وفي دول الغرب والشرق، رددوا تلك العبارة قبل تنفيذ عملياتهم الإجرامية، واستخدموها في غير مواضعها المناسبة وغير اللائقة، فتسبب هؤلاء الظلاميون المتمَسلمُون في الإساءة للإسلام وشعائره عمداً أو جهلاً أو خدمة لأيادٍ خفية استغلتهم ونجحت في الزج بالعبارات الإسلامية السامية لتشويه سماحة وعدل وصفاء الإسلام.

إن الظلاميين الحقيقيين يختفون في الظلام ويسترون سوءاتهم وأهدافهم خلف شاشات الأجهزة الذكية والحاسوبية ولوحات مفاتيحها.

الظلاميون يحاربون القيم والمبادئ الإسلامية الصحيحة ويخالفون الفطر الإنسانية السوية.

الظلاميون اتخذوا من الإسلام مطية ووسيلة لتحقيق غايات سياسية أو طائفية أو حزبية ضيقة.

الظلاميون بعيدون عن منهج وسنة رسول الهدى والقيم والأخلاق محمد صلى الله عليه وسلم.
الظلاميون لا يميزون بين الحق والباطل تدفعهم غرائز السطوة وحب السيطرة وتوجههم أصابع الشر ووساوس الشيطان.

الظلاميون لا يحترمون والداً ولا ولداً ولا صغيراً ولا كبيراً تدفعهم اضطراباتهم النفسية وانهزاماتهم الفكرية للانتقام من كل أحد دون سبب.

الظلاميون عميت بصيرتهم فهم يبصرون من ثقب ضيق ويظنون أن العالم ينتظرهم وأنه في حاجة لحكمهم وينشدون بزعمهم إزاحة الطواغيت عن الحكم.

إن الظلاميين موجودون في كل ثقافة ومجتمع، يخالفون نواميس الحياة ويعترضون على كل حراك تنموي يقود نحو التقدم والنماء والرقي للمجتمعات، لأنهم يرون في ذلك انتكاساً على كل موروث، فقد يلتمس العذر لغير المسلمين إذا لم يجدوا في ثقافاتهم المختلفة ما يتماشى وينسجم مع مقتضيات وتطورات الأزمنة والعصور، أما الإسلام فهو دين حضارة ورقي وتطور وصالح لكل عصر وزمان، وأصوله ثابته وعقيدة أتباعه الحقيقيين راسخة، ومنهجه ودستوره -القرآن الكريم- تكفل الله بحفظه، ومعالم الدين وشعائره التعبدية جليّة جاءت بتفاصيلها الموثقة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والإسلام أكمله الله وأتم به النعمة وارتضاه لعباده ولا يحتاج إلى وصاية وصيٍّ كاذب ولا إلى ولاية وليٍّ حاقد ولا إلى إصلاح مبتدعٍ ضال!.

وهنا يتضح بإن هناك بوناً شاسعاً بين المتبع لهدي وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين الظلاميين، فالفرق بينهما جليٌّ واضحٌ، ما يحتم على المصنفين تحكيم عقولهم وتمييز ذلك الفرق قبل إصدار أحكامهم ووضع مسطرة تصنيفهم الجائرة على المسلمين المتنورين بنور الله، المهتدين بهدي رسوله عليه الصلاة والسلام.

إن الاسلام وشعائره الثابتة المعتبرة يجب ألا يحارب تحت أي ذريعة أو بأي حجة، فلندع الأجيال تعرف حقيقة دينها من خلال العلماء الثقات الراسخين في العلم، ولنحفزهم لممارسة شعائر دينهم الوسطي المعتدل دون خوف أو وجل أو استحياء أو تردد، والاعتزاز بهويتهم، فإن لم يكن الأمر كذلك، فالخشية أن تسلك الأجيال القادمة ممارسة شعائرهم الدينية في الظلام، بعيداً عن العلماء المعتبرون، فتخطفهم كلاليب الجهل والخوف، وتنزلق أقدامهم الطرية في وحل التطرف والغلو، وتكثر وتقوى شوكة الظلاميين، ولنتذكر أن الحق أحقُ أن يتبع، وأن الخير باقٍ في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولنكن ضمن ركب المهتدين تحت لواء الخير، المتسلحين بالعقيدة الراسخة للتنعم بالحياة السعيدة، ونكون قدوات صالحة تدفع برفق ولين الأجيال الواعدة نحو الآفاق الإيمانية الفسيحة، وممارساتها التعبدية المعتبرة، فتتشكل شخصياتها المتزنة وتقودهم خطواتهم الواثقة لرضا الله سبحانه وتعالى وعفوه ورحمته وتحقيق إرادة الله في الاستخلاف البشري الرشيد في الأرض.

 

*عضو مجلس الشورى السابق

زر الذهاب إلى الأعلى