أبرز المواديكتبون

علمني السرطان ٦ – ٧ – ٨

علمني السرطان أن الانسان خلقه الله بقوة كامنة لا تخرجها إلا الظروف القاسية مهما بدا للناس أنه ضعيف هزيل الفؤاد .

 

علمني أن النجاح هو نتاج الصبر والألم وليس نتاج راحة ورخاء نعمه، وأن من يحدد له هدف سيصل إليه مهما كانت حاله وظروفه التي يمر بها فالعزيمة والإصرار ذخيرة الناجين.

 

علمني السرطان أن الجميع مهما بدوا قريبين منك، سترى بينك وبينهم أميالاً من البعد، وسراباً عند الحاجة، إلا من رحم ربي.

 

علمني أيضاً أن الحب وكسب القلوب أولى من التشاحن والفرقة فالوقت لا يرحم والإرث الطيب هو ما سنتركه بعد رحيلنا.

 

علمني السرطان أن بعض المرضى ليسوا ضحايا هذا المرض المتمدد على أجسادهم فقط، بل قد يعانون من همومٍ وأمور أشد على قلوبهم من هذا البلاء، فحاولوا أن تقفوا بجانبهم وتخففوا من وطأة هذه الضغوط عليهم، ليسهل عليهم مواجهتها والتغلب عليها، أو ترك الحياة بسلام وخسائر أقل.

 

كونوا لطفاء مع المرضى، صبورين على تغيرات أخلاقهم، واستنطقوهم بحب، واستمعوا لهم بعناية، فقد يأتي يوم تشتاقون لأصواتهم ولن تجدوها.

 

تفقدوا المرضى من حولكم جيران وأصدقاء وأقارب، ولا تثقلوا عليهم ولا تهجروهم، كونوا خفافاً لطفاء معهم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  إِذَا عَادَ الرَّجُلُ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، مَشَى فِي خِرَافَةِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسَ، فَإِذَا جَلَسَ غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ، فَإِنْ كَانَ غُدْوَةً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ كَانَ مَسَاءً صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ.

 

لقد علمني السرطان أننا أحياناً نصل مرحلة من النضج تجعلنا نرى العظائم عند غيرنا توافه عندنا، وبدلاً من أن نركض نحوها تجدنا نسير بتمهل دون اكتراث لأهمية الوصول.

 

علمني أن بناء الذات وإعمارها بالله خيرٌ من بناء الدنيا وإعمارها بالملذات، وعلمني أن التفاؤل زهرة الحياة وربيعها، وأن معية الله وقت البلاء لها لذة ليس كمثلها شيء، وأن الأمل منوطٌ بصاحبه.

 

علمني السرطان أن أكون مستعدة لمواجهة تحديات أُخرى مؤلمة، غير تجربة صراع المرض، وأن أصبّر نفسي بأن خسارة الصحة هي أعظم خسارة وما بعدها يهون، وأن أكون قادرة على مواجهتها بصلابة.

 

علمني بأن البحث عن العلاج لا يعني أننا نخشى الموت، وإنما لتخفيف وقع الألم على الجسد، فالموت لابد منه وهو مصير كل مخلوق لا محالة.

 

علمني أن على الإنسان ألا يغتر بقوته فللقوة عمر سينتهي، فتواضعوا وكونوا هيّنين ليّنين في تعاملاتكم مع الناس، فليس أجمل من ترك الأثر الطيب بين الناس.

 

علمني السرطان معنى الإيمان بالغيب ومافيه، وأن الغيب ليس كما نخافه، فليس امتحاناً نجتازه حسب استعدادنا له، بل هو رحلة أخرى بسيطة في مجرياتها ولكننا لا نستطيع استيعابها قبل خوضها، فاستعدوا لها وثقوا برحمة الله.

 

لقد علمني السرطان كيف أحفر بالصخر وإن كان صلباً، فالعبرة بتحقيق النتيجة وترك الأثر وروعة الإنجاز.

 

 

*شاعرة وكاتبة سعودية

زوجة محارب سرطان..

زر الذهاب إلى الأعلى