علمني السرطان أن المريض قوة ومدرسة تمشي على الأرض، والفطن من يتعلم منها، ومواجهته رغم خطورته تجعلنا نتأمل ونتعلم كيف تكون القوة الحقيقية من خلال عدة معطيات يضطر لها المريض ومن حوله، ومن ذلك السفر المستمر براً أو جواً في رحلة العلاج إلى المدن الرئيسية الكبرى رغم المرض وشدته.
علمني السرطان تحدي مقابلة الناس رغم التغيرات البارزة على شكل المحارب، والمحافظة على ابتسامته الدائمة في وجوه أحبته، رغم ما يعتريه من انكسار وضعف، وعلمني جمال كلمات الحمد والشكر التي تخرج منه كهالة سماوية يرى بها النور في وجوه كل من حوله، وعلمني ما معنى الارتباط الروحي بين الأشخاص وكيف يفترض أن يكون.
علمني السرطان معنى الإيمان برحلة الحياة المؤقتة، وأن الجميع راحلون إنما هي مسألة وقت لا أكثر، وعلمني أن الإبن نعمة وستر لأبيه وأمه، وأن البِرّ تأتي أهميته في مواضع ضعف الوالدين فلا يغادرونهم وفي قلبهم ندم من التفريط في برهم لهم.
علمني السرطان أن الإنسان مهما بلغ من كماله وجماله ستأتيه ساعة يفقد فيها كل ما كان يملكه من مميزات، وأن التواضع والشكر لنعمة الله ليس مجرد كلمات يتم ترديدها فقط، وعلمني أن أفضل الصدقات هي ابتسامة تزرعها في شفتي يائس، وأن صدقة الزيارة الصادقة الخفيفة هي من أسمى مواطن البر، وعلمني أيضاً أن أسرة المريض هم مرضى من نوع آخر، وأن ثواب إسعادهم لا يقل عن ثواب إسعاد المريض نفسه.
علمني السرطان أن المستشفيات ماهي إلا مخدر موضعي، ما أن ينتهي وقته إلا ويعود المريض لحاله الحقيقي ويصل إلى نقطة الصفر التي كتبها الله له، وعلمني أن بعض التفاصيل البسيطة قد تصنع فارقاً في حياة إنسان، وقد تصنع يوماً مميزاً لمن حوله، فلا تبحثوا عن سبب بعيدٍ للسعادة وقد يكن قريبٌ بين أيديكم.
علمني السرطان أن صنائع المعروف كنزٌ ثمين يأتيك أثره بعد حين، وربما في وقت تكون أشد حاجة له، فأكثروا من التماس المعروف في حياتكم ووقت رخاءكم.
وتعلمت من السرطان لذة القبول، وانغماس النفس في حالة من الرضا بقضاء الله وقدره، مهما تكن حالة البلاء الذي وقع فيه الإنسان.
إنه غيضٌ من فيضٍ تعلمته من هذا المرض الذي يسمونه خبيثاً وأُسميه رحمة، فالله رحيمٌ لا يأتي منه إلا الرحمة.
دلال القحطانى “كاتبة وشاعرة سعودية، زوجة محارب سرطان”