محليات

مشايخ: لا قيمة لعفو ينجو به القاتل من القصاص ويهلك أهله في جمع المال

حثت الشريعة الإسلامية السمحة على العفو والتسامح التي ذكرها الله في كتابه الكريم في أكثر من موضع ومنها قوله تعالى “وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” وقوله تعالى “خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِين”.

ولا يوجد في التاريخ الإنساني أمة من الأمم أخذت بالعفو والتسامح والصفح، كما أخذت به الأمة الإسلامية عبر تاريخها العظيم، لذلك حث الله عليه وجعله من أسباب غفرانه ومرضاته جل وعلا.

ومن المؤكد أن العفو في القصاص يعد من أعلى مراتب العفو، حيث وعد الله من يعفو بالأجر والمثوبة وتنفيس كربته يوم القيامة كما أنه يعيش عزيزا في الدنيا لقاء مابذله من تسامح لأخيه بدون مقابل مادي .

وأكد عدد من مشايخ القبائل وأئمة المساجد بمكة المكرمة، عظم قيمة العفو في الدين الإسلامي، وحذروا من المبالغة في قيمة الصلح في قضايا القتل، ووصفوها بالظاهرة غير المقبولة، التي لا تمت للدين الإسلامي بصلة، ولا للمجتمع السعودي الكريم المتمسك بالشرع الحنيف.

وشددوا على ضرورة تكثيف الوعي بين إفراد المجتمع، والتحذير من تلك الظاهرة السيئة، والحث على أهمية إحياء فضيلة العفو وتذكير الناس بها، وما وعد الله به من خير وافر في الدنيا والآخرة لمن يعفو ويصفح.

وقال الشيخ عايض بن ساير بن عنيبر الجعيد شيخ شمل قبيلة الجعدة إن الشريعة السمحة أعطت أولياء الدم الحق الشرعي في أخذ حقهم ممن اعتدى عليهم بالقتل مع إعطائهم الخيار في العفو لوجه الله، فمن عفى كان له الأجر العظيم  من الله.

وأشاد بما يقوم به خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – حفظه الله -،  في السعي وطلب الشفاعات، واصفاً أيادي الملك المفدى – رعاه الله – بالبيضاء في هذا الجانب، لاسيما وأنها أسفرت عن عتق الكثير من الرقاب بدون مقابل، سائلا الله تعالى أن يجزل له الأجر والمثوبة ويجعل ذلك في موازين حسناته إنه سميع مجيب.

وبين أنه ضد ما يقوم به البعض من المبالغة في الديات التي تدفع لأولياء الدم مقابل التنازل، لأنها باتت أشبه بالتجارة التي يتخذها البعض، مستغلين رغبة الجاني في النجاة  من القصاص، بهدف الحصول على نصيبهم من المبالغ المجموعة لهذا الشأن، بوصفهم ضمن الساعين للصلح في هذه القضايا.

ودعا أهل الفكر والرأي من علماء وأكاديميين وخطباء جوامع إلى تكثيف الوعي الديني بين الناس والتحذير، من تلك الظاهرة السيئة للإسهام في كبح جماح ممن يقوم بذلك من المبالغة في هذا الأمر والأخذ على أيديهم ومعالجة هذه الظاهرة السيئة بما يحقق المصلحة ويدفع المفسدة.

من جانبه شبه مدير عام  فرع وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بمنطقة مكة المكرمة الدكتور صالح بن إبراهيم الدسيماني ظاهرة المبالغة في الديات بالتجارة والمساومات، التي تصعيب الأمور على أهل القاتل، من خلال المطالبة بمبالغ تصل إلى عشرات الملايين أو أكثر وهي مبالغ يصعب توفرها وجمعها في أغلب الأحيان.

وقال “من هنا نجد أن قبيلته أو عشيرته أو جماعته يسعون بكل السبل والطرق للتعاون وفتح حساب للدية لإنقاذ رقبة القاتل ومن المؤلم أن ورثة القتيل الذين يحصلون على هذه الدية يحصلون عليها من خلال الوسطاء عن طريق المتاجرة بها  ونسي هؤلاء قوله تعالى “فمن عفا وأصلح فأجره على الله”، وقوله تعالى “فمن عُفيَ له من أخيه شئ فإتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان” ولو تنازلوا لوجه الله لكان خيرا لهم  وأجرهم عظيم عند الله”.

وأكد مدير قسم الدعوة بمكتب الدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بحي الشرائع الشيخ  صالح بن راشد الزهراني وجوب إشاعة التسامح فيما بيننا لوجه الله تعالى وليس من أجل الأمور الدنيوية، مطالبا أولياء الدم إما أن يطلبوا الدية المتعارف عليها شرعاً أو يعفوا لوجه الله ويطلبوا الأجر منه، حيث أن العفو والصفح قيمة إسلامية أصيلة أعد الله لمن يعفو الأجر  العظيم.

وقال: إن المبالغة في قيمة الدية في القصاص هو في حقيقته  تكريس في إبقاء العداوة وقطع المعروف بين الناس إذ لا قيمة لعفو ينجو به الجاني من القصاص ويهلك بسببه أهل القاتل في جمع المال وإراقة ماء الوجه على أبواب المحسنين لأجل توفير ما اشترطه أهل القتيل من مبالغ طائلة، لافتا النظر إلى أن العفو والتسامح صفة نبيلة وسيرة للرجال العظماء على مر التاريخ.

وأشار إلى أن ظاهرة طلب الديات الكبيرة أصبحت مقلقة لأولياء القاتل وقبيلته إذ أن القاتل يحمل قبيلته وأهله مالا طاقة لهم به في سبيل نجاته من القصاص لذلك كانت توعية المجتمع بهذا الموضوع أمر مهم للغاية كما أن توعيتهم بما ورد في الشرع الحنيف من حث على الخير وتغليب جانب ما عند الله خير مما يأخذه الولي أو من له صلة بالقتيل يجب أن تكون من الأولويات لكل مصلح بين الناس.

وتطلع الزهراني إلى نشر ثقافة العفو والتسامح بين الناس واستخدام كل وسيلة متاحة لذلك وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي للوصول بإذن الله إلى مجتمع متسامح يقدر قيمة العفو وما يترتب عليه من إشاعة للود والمحبة بين أفراد المجتمع.

وعد إمام وخطيب مسجد الأميره العنود بحي الحمراء بمكة المكرمة الدكتور خليل المرضاحي المغالاة في مبالغ الديات في القصاص قضية خطيرة، مشيراً إلى أنها تتطور أحيانا لتصل إلى مبالغ باهظة  تعجيزية، وقال “إن هذه الظاهرة بدأت تظهر بشكل ملفت في السنوات الأخيرة بسبب ضعف الإيمان بالله وبدأ خطرها يستشري من خلال   جمع التبرعات والتكسب بالدماء والرقاب وعدم استشعار بعض ضعاف النفوس القيمة الأصيلة للعفو والتسامح التي أكد عليها الدين الإسلامي الحنيف وتوارثها الكرام من الناس على مر الأجيال بادية وحاضرة فقصص العفو والتسامح يحفل بها التاريخ الاسلامي المشرق لما لها عند الله من أجر ومثوبة.

وأوضح أن هذه الظاهرة يرافقها عادة ظواهر سلبية أخرى كالتجمعات وإقامة المخيمات والإسراف في المأكل والمشرب من أجل طلب العفو وهي أمور بعيدة تماماً عن الدين الإسلامي وعن عادات وتقاليد الشعب السعودي الكريم   فضلا عن أنها إرهاق لعصبة  الجاني وقبيلته إلى حد يصل إلى التعجيز في طلب الدية والمطالبة بما لا يمكن تحقيقه، مشيراً إلى أن العفو لم يكن يوما من الأيام من أجل الدنيا أو المظاهر الزائلة وإنما هي قيمة إسلامية أصيلة أعد الله له الأجر العظيم.

ورأى الدكتور المرضاحي أن هذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة معمقة لمعالجتها ووضع الحلول المناسبة، التي تراعي العادات والتقاليد في المجتمع السعودي بحيث يصبح لها نظام لايستطيع أي متجاوز أن يعبث به أو يتاجر بدماء الناس من خلاله.

وأفاد الرئيس التنفيذي للجنة إصلاح ذات البين بإمارة منطقة مكة المكرمة الدكتور ناصر بن مسفر الزهراني أن اللجنة تعمل على تقوية الروابط وتوثيق أواصر المحبة والألفة بين أفراد المجتمع وإعادة جسور الثقة والمودة من خلال حل النزاعات والصلح في الخصومات والقضاء على عوامل الفرقة والشقاق ونبذ أسباب التشاحن والبغضاء وبذل النصح والمشورة وتقديم العون والمساعدة في ظل رعاية وتوجيهات ولاة الأمر في هذا البلد الكريم حفظهم الله حتى أصبحت اللجنة معلماً بارزاً في سماء هذا الوطن المعطاء.

وأشار إلى أن اللجنة وفقت بفضل الله عز وجل ثم بدعم سمو أمير منطقة مكة المكرمة  إلى الفوز بالعفو في أكثر من ثلاثمائة وعشر قضايا عفو (310) وإلى النظر في أكثر من ثلاثين ألف قضية.

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى